الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُمْ مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ } * { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ }

قوله تعالى: { ومِنْ آياته } أي: من دلائل قدرته { أنْ خلقكم من تراب } يعني آدم، لأنه أصل البشر { ثُمَّ إِذا أنتم بَشرٌ } من لحم ودم، يعني ذريته { تَنْتَشِرون } أي: تنبسطون في الأرض.

قوله تعالى: { أنْ خَلَق لكم من أنفُسكم أزواجاً } فيه قولان.

أحدهما: أنه يعني بذلك آدم، خلق حوَّاء من ضِلعه، وهو معنى قول قتادة.

والثاني: أن المعنى: جعل لكم آدميَّات مثلكم، ولم يجعلهنَّ من غير جنسكم، قاله الكلبي.

قوله تعالى: { لتسكنُوا إِليها } أي: لتأووا إِلى الأزواج { وجعل بينكم مودَّةً ورحمة } وذلك أن الزوجين يتوادَّان ويتراحمان من غير رَحِم بينهما { إِنَّ في ذلك } الذي ذكره من صنعه { لآياتٍ لقوم يتفكَّرون } في قدرة الله وعظَمته.

قوله تعالى: { واختلافُ ألسنتكم } يعني اللغات من العربية والعجمية وغير ذلك { وألوانِكم } لأنَّ الخلق بين أسود وأبيض وأحمر، وهم ولد رجل واحد وامرأة واحدة. وقيل: المراد باختلاف الألسنة اختلاف النَّغَمات والأصوات، حتى إِنه لا يشتبه صوت أخوين من أب وأم والمراد باختلاف الألوان: اختلاف الصُّوَر، فلا تشتبه صورتان مع التشاكل { إِنَّ في ذلك لآيات للعالِمِين } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، [والكسائي]، وأبو بكر عن عاصم: { للعالَمِين } بفتح اللام. وقرأ حفص عن عاصم: { للعالِمِين } بكسر اللام.

قوله تعالى: { ومن آياته منامُكم بالليل والنهار } أي: نومكم. قال أبو عبيدة: المنام من مصادر النَّوم، بمنزلة قام يقوم قِياماً ومَقاماً، وقال يقول مَقالاً، قال المفسرون: وتقدير الآية: منامكم بالليل { وابتغاؤكم من فضله } وهو طلب الرزق بالنهار { إِنَّ في ذلك لآيات لقوم يسمعون } سماع اعتبار [وتذكُّر] وتدبُّر. { ومن آياته يُريكم البرق } قال اللغويون: إِنَّما حذف «أنْ» لدلالة الكلام عليه، وأنشدوا:
[وما الدَّهْرُ إِلاَّ تارتان فتارةً   أموتُ وأُخرى أبتغي العَيْش أكدحُ
ومعناه: فتارة أموت فيها]، وقال طرفة:
ألا أيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغَى   [وأن أَشهد اللَّذَّاتِ هل أنتَ مُخْلِدي]
أراد: أن أحضر. وقد شرحنا معنى الخوف والطمع في رؤية البَرْق في سورة [الرعد:12].

قوله تعالى: { أن تقوم السماء والأرض } أي: تدوما قائمتين { بأمره } { ثم إِذا دعاكم دعوةً } وهي نفحة إِسرافيل الأخيرة في الصُّور بأمر الله عز وجل { من الأرض } أي: من قبوركم { إِذا أنتم تخرُجون } منها. وما بعد هذا قد سبق بيانه [البقرة:116، العنكبوت:19] إِلى قوله: { وهو أهونُ عليه } وفيه أربعة أقوال.

أحدها: أن الإِعادة أهون عليه من البداية، وكُلُّ هيِّنٌ عليه، قاله مجاهد، وأبو العالية.

والثاني: أن «أهون» بمعنى «هيِّن»، فالمعنى: وهو هيِّن عليه، وقد يوضع «أفعل» في موضع «فاعل»، ومثله قولهم في الأذان: الله أكبر، أي: الله كبير، قال الفرزدق:
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّماءَ بَنى لَنا   بَيْتاً دعَائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ

السابقالتالي
2