الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ ٱجْعَلْ لِّيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَٱذْكُر رَّبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ }

قوله تعالى: { ربِّ اجعل لي آية } أي: علامة على وجود الحمل. وفي علة سؤاله «آية» قولان. أحدهما: أن الشيطان جاءه فقال: هذا الذي سمعت من صوت الشيطان، ولو كان من وحي الله، لأوحاه إليك، كما يوحي إليك غيره، فسأل الآية، قاله السدي عن أشياخه. والثاني: أنه إنما سأل الآية على وجود الحمل ليبادر بالشكر، وليتعجل السرور، لأن شأن الحمل لا يتحقق بأوله، فجعل الله آية وجود الحمل حبس لسانه ثلاثة أيام. فأما «الرَمز» فقال الفراء: الرمز بالشفتين، والحاجبين، والعينين، وأكثره في الشفتين. قال ابن عباس: جعل يكلم الناس بيده. وإنما منع من مخاطبة الناس، ولم يحبس عن الذكر لله تعالى. وقال ابن زيد: كان يذكر الله، ويشير إلى الناس. وقال عطاء بن السائِب: اعتُقِلَ لسانه من غير مرض. وجمهور العلماء على أنه إنما اعتقل لسانه آيةً على وجود الحمل. وقال قتادة، والربيع بن أنس: كان ذلك عقوبةً له إذ سأل الآية بعد مشافهة الملائكة بالبشارة.

قوله تعالى: { وسبِّح } قال مقاتل: صل. قال الزجاج: يقال: فرغت من سُبحتي، أي: من صلاتي. وسمّيت الصلاة تسبيحاً، لأن التسبيح تعظيم الله، وتبرئته من السوء، فالصلاة يوصف فيها بكل ما يبرئه من السوء.

قوله تعالى: { بالعشي } العشي: من حين نزول الشمس إلى آخر النهار: { والإِبكار } ما بين طلوع الفجر إلى وقت الضحى: قال الشاعر:
فلا الظلَّ في بَردِ الضّحى تستطيعه   ولا الفيءَ من بردِ العشيّ يذوق
قال الزجاج: يقال: أبكر الرجل يبكر إِبكاراً، وبكر يبكر تبكيراً، وبكر يبكر في كل شيء تقدم فيه.