الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ تُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلْنَّهَارِ وَتُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ ٱلَمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله تعالى: { تولج الليل في النهار } أي: تدخل ما نقّصت من هذا في هذا. وقال ابن عباس، ومجاهد: ما ينقص من أحدهما يدخل في الآخر. قال الزجاج: يقال: ولج الشيء يلج ولوجاً وولجاً وولجة.

قوله تعالى: { وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحيّ } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبوبكر عن عاصم، { وتخرج الحي من الميْت وتخرج الميْت من الحي } ولبلد ميْت } [الأعراف: 57]. وأوَ مَنْ كان ميْتاً } [الأنعام: 122]. ووإِن يكن ميتةً } [الأنعام: 139]، والأرض الميتة } [يس: 33]. كله بالتخفيف. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي: { وتخرج الحي من الميِّت وتخرج الميّت من الحي } و { لبلد ميِّت } و { إِلى بلد ميِّت } وخفف حمزة، والكسائي غير هذه الحروف. وقرأ نافع { أومن كان ميِّتاً } و { الأرض الميِّتة } ولحم أخيه ميِّتاً } [الحجرات: 12]. وخفف في سائر القرآن ما لم يمت. وقال أبو علي: الأصل التثقيل، والمخفف محذوف منه، وما مات، ومالم يمت في هذا الباب مستويان في الاستعمال. وأنشدوا:
ومنهل فيه الغراب مَيتُ   سَقَيتُ مِنه القومَ واستقيت
فهذا قد مات. وقال آخر:
ليسَ مَن ماتَ فاستراحَ بميتٍ   إِنما المَيْتُ مَيِّتُ الأحياء
فخفف ما مات، وشدد مالم يمت. وكذلك قوله تعالى:إِنك ميّت وإِنهم ميتون } [الزمر: 30]. ثم في معنى الآية ثلاثة أقوال. أحدها: أنه إخراج الإنسان حياً من النطفة، وهي ميتة. وإخراج النطفة من الإنسان، وكذلك إخراج الفرخ من البيضة، وإخراج البيضة من الطائر، هذا قول ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وابن جبير، والجمهور. والثاني: أنه إخراج المؤمن الحي بالإيمان من الكافر الميت بالكفر، وإخراج الكافر الميت بالكفر من المؤمن الحي بالإيمان، روى نحو هذا الضحاك عن ابن عباس، وهو قول الحسن، وعطاء. والثالث: أنه إخراج السنبلة الحيّة من الحبة الميّتة، والنخلة الحيّة من النواة الميّتة، والنواة الميّتة من النخلة الحية، قاله السدي. وقال الزجاج: يخرج النبات الغض من الحب اليابس، والحب اليابس من النبات الحي النامي.

قوله تعالى: { بغير حساب } أي: بغير تقتير. قال الزجاج: يقال للذي ينفق موسعاً: فلان ينفق بغير حساب، كأنه لا يحسب ما أنفقه إنفاقاً.