الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله تعالى: { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله } اختلفوا فيمن نزلت على قولين.

أحدهما: أنها نزلت في الذين يبخلون أن يؤدوا زكاة أموالهم، وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة، وابن عباس في رواية أبي صالح، والشعبي، ومجاهد، وفي رواية السدي في آخرين.

والثاني: أنها في الأحبار الذين كتموا صفة النبي صلى الله عليه وسلم، ونبوته، رواه عطية عن ابن عباس، وابن جريج عن مجاهد، واختاره الزجاج.

قال الفراء: ومعنى الكلام: لا يحسبن الباخلون البخل هو خيراً لهم، فاكتفى بذكر «يبخلون» من البخل، كما تقول: قدم فلان، فسررت به، أي: سررت بقدومه.

قال الشاعر:
إِذا نُهي السفيهُ جرى إِليه   وخالف والسفيه إِلى خلاف
يريد: جرى إلى السفه. والذي آتاهم الله على قول من قال: البخل بالزكاة: هو المال، وعلى قول من قال: البخل بذكر صفة النبي صلى الله عليه وسلم هو العلم.

قوله تعالى { هو } إشارة إلى البخل وليس مذكوراً، ولكنه مدلول عليه بـ «يبخلون» وفي معنى تطويقهم به أربعة أقوال.

أحدها: أنه يجعل كالحية يطوق بها الإنسان، روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا مُثِّل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه، وهو يتبعه حتى يطوق في عنقه " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { سيطوَّقون ما بخلوا به يوم القيامة }. وهذا مذهب ابن مسعود، ومقاتل.

والثاني: أنه يجعل طوقاً من نار، رواه منصور عن مجاهد، وإبراهيم.

والثالث: أن معنى تطويقهم به: تكليفهم أن يأتوا به، رواه ابن أبي نجيح، عن مجاهد.

والرابع: أن معناه: يلزم أعناقهم إثمه، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى { ولله ميراث السموات والأرض } قال ابن عباس: يموت أهل السموات وأهل الأرض، ويبقى رب العالمين. قال الزجاج: خوطب القوم بما يعقلون، لأنهم يجعلون ما رجع إلى الإنسان ميراثاً إذا كان ملكاً له، وقال ابن الأنباري: معنى: الميراث: انفراد الرجل بما كان لا ينفرد به، فلما مات الخلق، وانفرد عزّ وجل، صار ذلك له وراثة.

قوله تعالى: { والله بما تعملون خبير } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، «يعملون» بالياء إتباعاً لقوله تعالى: { سيطوَّقون } وقرأ الباقون بالتاء، لأن قبله { وإن تؤمنوا وتتقوا }.