قوله تعالى: { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه } في سبب نزولها خمسة أقوال. أحدها: أن قريشا قالت: تزعم يا محمد أن من اتبعك، فهو في الجنة، ومن خالفك فهو في النار؟! فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن، فنزلت هذه الآية، هذا قول ابن عباس. والثاني: أن المؤمنين سألوا أن يعطوا علامة يفرقون بها بين المؤمن والمنافق، فنزلت هذه الآية، هذا قول أبي العالية. والثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " عُرضتْ عليَّ أُمتي، وأُعلمت من يؤمن بي، ومن يكفر، فبلغ ذلك المنافقين، فاستهزؤوا، وقالوا: فنحن معه ولا يعرفنا " فنزلت هذه الآية، هذا قول السدي. والرابع: أن اليهود، قالت: يا محمد قد كنتم راضين بديننا، فكيف بكم لو مات بعضكم قبل نزول كتابكم؟! فنزلت هذه الآية. هذا قول عمر مولى غفرة. والخامس: أن قوماً من المنافقين ادَّعوْا أنهم في إيمانهم مثل المؤمنين، فأظهر الله نفاقهم يوم أُحد، وأنزل هذه الآية، هذا قول أبي سليمان الدمشقي. وفي المخاطب بهذه الآية قولان. أحدهما: أنهم الكفار، والمنافقون، وهو قول ابن عباس، والضحاك. والثاني: أنهم المؤمنون، فيكون المعنى: ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق. قال الثعلبي: وهذا قول أكثر أهل المعاني. قوله تعالى: { حتى يميز الخبيث من الطيب } قرأ ابن كثير، ونافع وأبو عمرو، وابن عامر { حتى يميز } و { ليميز الله الخبيث } بفتح الياء والتخفيف. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، ويعقوب: «يميز» بالتشديد، وكذلك في [الأنفال: 37]{ ليميّز الله الخبيث } قال أبو علي: مزت وميَّزت لغتان. قال ابن قتيبة: ومعنى: يميز: يخلص. فأما الطيب، فهو المؤمن. وفي الخبيث قولان. أحدهما: أنه المنافق، قاله مجاهد، وابن جريج. والثاني: الكافر، قاله قتادة، والسدي. وفي الذي وقع به التمييز بينهم ثلاثة أقوال. أحدها: أنه الهجرة والقتال، قاله قتادة، وهو قول من قال: الخبيث: الكافر. والثاني: أنه الجهاد، وهو قول من قال: هو المنافق. قال مجاهد: فميّز الله يوم أُحد بين المؤمنين والمنافقين، حيث أظهروا النفاق وتخلّفوا. والثالث: أنه جميع الفرائض والتكاليف، فإن المؤمن مستور الحال بالإقرار، فإذا جاءت التكاليف بانَ أمرُه، هذا قول ابن كيسان. وفي المخاطب بقوله: { وما كان الله ليطلعكم على الغيب } قولان. أحدهما: أنهم كفار قريش، فمعناه: ما كان الله ليبين لكم المؤمن من الكافر، لأنهم طلبوا ذلك، فقالوا: أخبرنا بمن يؤمن ومن لا يؤمن، هذا قول ابن عباس. والثاني: أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فمعناه: وما كان الله ليطلع محمداً على الغيب، قاله السدي «ويجتبي» بمعنى يختار، قاله الزجاج وغيره. فمعنى الكلام على القول الأول: أن الله لا يطلع على الغيب أحداً إلا الأنبياء الذين اجتباهم، وعلى القول الثاني: أن الله لا يطلع على الغيب أحداً إلا أنه يجتبي من يشاء فيطلعه على ما يشاء.