الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّابِرِينَ }

قوله تعالى: { وكأين من نبي } قرأ الجمهور «وكأين» في وزن »كعيِّن». وقرأ ابن كثير و «كائن» في وزن «كاعن» قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: «كأيِّن» مثل: «كعِّين» ينصبون الهمزة، ويشددون الياء. وتميم يقولون: و «كائن» كأنها فاعل من كئت. وأنشدني الكسائي:
وكائِن ترى يسعى من الناس جاهداً   على ابنٍ غدا منه شجاعٌ وعقربُ
وقال آخر:
وكائِن أصابت مؤمناً من مُصيبةٍ   على الله عُقباها ومنه ثوابُها
وقال ابن قتيبة: كائن بمعنى «كم» مثل قوله:وكأين من قرية عتت عن أمر ربها } [الطلاق: 8] وفيها لغتان. «كأين» بالهمزة وتشديد الياء، و «كائن» على وزن «قائل» [وبائع] وقد قُرىء بهما [جميعاً في القرآن] والأكثر والأفصح تخفيفها. قال الشاعر:
وكائن أرينا الموتَ من ذي تحيَّةٍ   إذا ما ازدرانا أو أصرَّ لمأثمِ
وقال الآخر:
وكائِن ترى من صامتٍ لكَ مُعْجَبٍ   زيادتُه أو نقصُه في التَّكلم
قوله تعالى: { قاتل معه ربيُّون } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبان، والمفضل كلاهما عن عاصم: «قُتِل» بضم القاف، وكسر التاء، من غير ألف، وقرأ الباقون: «قاتل» بألف، وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين، وأبو رجاء، والحسن، وابن يعمر، وابن جبير، وقتادة، وعكرمة، وأيوب: «ربيون» بضم الراء. وقرأ ابن عباس، وأنس، وأبو مجلز، وأبو العالية، والجحدري، بفتحها. فعلى حذف الألف يحتمل وجهين.

أحدهما: أن يكون قتل للنبي وحده، ويكون المعنى: وكأين من نبي قتل، ومعه ربيون، فما وهنوا بعد قتله.

والثاني: أن يكون قتل للربيين، ويكون: «فما وهنوا» لمن بقي منهم. وعلى إثبات الألف يكون المعنى: أن القوم قاتلوا، فما وهنوا. وفي معنى الربيين خمسة أقوال.

أحدها: أنهم الألوف، قاله ابن مسعود، وابن عباس في رواية، واختاره الفراء.

والثاني: الجماعات الكثيرة، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعكرمة والضحاك، وقتادة، والسدي، والربيع، واختاره ابن قتيبة.

والثالث: أنهم الفقهاء والعلماء، رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وبه قال الحسن، واختاره اليزيدي، والزجاج.

والرابع: أنهم الأتباع، قاله ابن زيد.

والخامس: أنهم المتألهون العارفون بالله تعالى، قاله ابن فارس.

قوله تعالى: { فما وهنوا } فيه قولان.

أحدهما: أنه الضعف، قاله ابن عباس، وابن قتيبة.

والثاني: أنه العجز، قاله قتادة.

قال ابن قتيبة: والاستكانة: الخشوع، والذل، ومنه أخذ المسكين. وفي معنى الكلام قولان.

أحدهما: فما وهنوا بالخوف، وما ضعفوا بنقصان القوة، ولا استكانوا بالخضوع.

والثاني: فما وهنوا لقتل نبيهم، ولا ضعفوا عن عدوهم، ولا استكانوا لما أصابهم.