الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَكْفُرُونَ } * { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَواْ } يعني كفار مكة { أنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً } يعني مكة؛ وقد شرحنا هذا المعنى في [القصص:57] { ويُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حولهم } أي: أن العرب يَسْبي بعضهم بعضاً وأهلُ مكة آمنون { أفبالباطل } وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها: الشِّرك، قاله قتادة.

والثاني: الأصنام، قاله ابن السائب.

والثالث: الشيطان، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { يُؤْمِنونَ } وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وعاصم الجحدري: { تُؤْمِنونَ وبنِعمة الله تكفُرونَ } بالتاء فيهما.

قوله تعالى: { وبنِعمة الله } يعني: محمداً والإِسلام؛ وقيل: بانعام الله عليهم حين أطعمهم وآمنهم { يكفُرون } ، { ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّن افترى على الله كَذِباً } أي: زعم أن له شريكاً وأنه أمر بالفواحش { أو كذَّبَ بالحق لمَّا جاءه } يعني محمداً والقرآن { أليس في جهنم مثوىً للكافرين }؟! وهذا استفهام بمعنى التقرير، كقول جرير:
ألَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطايا   [وأندى العالَمينَ بُطونَ راحِ]
{ والذين جاهَدوا فينا } أي: قاتلوا أعداءنا لأجلنا { لَنَهْدِيَنَّهم سُبُلَنا } أي: لَنُوَفّقَنَّهم لإِصابة الطريق المستقيمة؛ وقيل: لَنَزِيدنَّهم هِدايَة { وإِنَّ الله لَمَعَ المُحْسِنِينَ } بالنُّصرة والعون. قال ابن عباس: يريد بالمُحْسِنِين: الموحِّدين؛ وقال غيره: يريد المجاهدين. وقال ابن المبارك: من اعتاصت عليه مسألة، فليسأل أهل الثُّغور عنها، لقوله: { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }.