الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } * { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله تعالى: { يا عباديَ الذين آمنوا } قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر: { يا عباديَ } بتحريك الياء. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي: باسكانها.

قوله تعالى: { إِن أرضي واسعة } وقرأ ابن عامر وحده: { أرضيَ } بفتح الياء. وفيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه خطاب لِمَن آمن [مِنْ] أهل مكة، قيل لهم: { إِن أرضي } يعني المدينة { واسعة } ، فلا تجاوروا الظَّلَمة في أرض مكة، قاله أبو صالح عن ابن عباس؛ وكذلك قال مقاتل: نزلت في ضُعفاء مُسْلِمي مكة، [أي]: إِن كنتم في ضيق بمكة من إِظهار الإِيمان، فارض المدينة واسعة.

والثاني: أن المعنى: إِذا عُمل بالمعاصي في أرض فاخرجوا منها، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عطاء.

والثالث: إِنَّ رزقي لكم واسع، قاله مطرف بن عبد الله.

قوله تعالى: { فايَّايَ فاعبُدونِ } أثبت فيها الياء يعقوب في الحالين، وحذفها الباقون. قال الزجّاج: أمرهم بالهجرة من الموضع الذي لا يمكنهم فيه عبادة الله إِلى حيث تتهيَّأُ لهم العبادة؛ ثم خوَّفهم بالموت لتهون عليهم الهجرة، فقال: { كلُّ نَفْس ذائقةُ الموت } المعنى: فلا تُقيموا في دار الشِّرك خوفاً من الموت { ثُمَّ إِلينا تُرْجَعون } بعد الموت فنجزيَكم بأعمالكم، والأكثرون قرؤوا: { تُرْجَعون } بالتاء على الخطاب؛ وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء.

قوله تعالى: { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ } [قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ } بالباء]، أي: لَنُنْزِلَنَّهم. وقرأ حمزة، والكسائي، [وخلف]: { لَنُثْوِيَنَّهُمْ } بالثاء، [وهو] من: ثويتُ بالمكان: إِذا أقمت به قال الزجاج: [يقال]: ثوى الرجل: إِذا أقام، وأثويتُه: إِذا أنزلتَه منزلاً يُقيم فيه.

قوله تعالى: { وكأيِّن مِنْ دابَّة لا تحملُ رزقَها } قال ابن عباس: لمَّا أمرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالخروج إِلى المدينة، قالوا: يا رسول الله، نخرُج إِلى المدينة وليس لنا بها عقار ولا مال؟! فمن يؤوينا ويطعمنا؟ فنزلت هذه الآية. قال ابن قتيبة: ومعنى الآية: كم مِنْ دابَّة لا ترفَعُ شيئاً لغدٍ، قال ابن عُيَيْنَةَ: ليس شيءٌ يَخْبَأُ إِلا الإِنسانُ والفأرةُ والنملة. قال المفسرون: وقوله: { اللّهُ يرزُقُها } أي: حيثما توجهتْ { وإِيَّاكم } أي: ويرزُقكم إِن هاجرتم إِلى المدينة { وهو السَّميع } لقولكم: لا نجد ما نُنْفِق بالمدينة { العليمُ } بما في قلوبكم.