الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

قوله تعالى: { الۤمۤ أحَسِبَ النَّاسُ أنْ يُتْرَكوا } في سبب نزولها ثلاثة أقوال.

أحدها: أنَّه لمَّا أُمر بالهجرة، كتب المسلمون إِلى إِخوانهم بمكة أنَّه لا يُقْبَل منكم إِسلامكم حتى تُهاجِروا، فخرجوا نحو المدينة فأدركهم المشركون فردُّوهم، فأنزل الله عز وجل من أول هذه السورة عشر آيات، فكتبوا إِليهم يخبرونهم بما نزل فيهم، فقالوا: نَخْرُج، فان اتَّبَعَنَا أحدٌ قاتلناه، فخرجوا فاتَّبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم مَنْ قُتل، ومنهم مَنْ نجا، فأنزل الله عز وجل فيهمثُمَّ إِنَّ ربِّكَ للذين هاجروا مِنْ بَعْد ما فُتِنوا } [النحل:110]، هذا قول الحسن، والشعبي.

والثاني: أنَّها نزلت في عمَّار بن ياسر إِذ كان يعذَّب في الله عز وجل، قاله عبد الله بن عُبيد بن عُمير.

والثالث: أنَّها نزلت في مِهْجَع مولى عمر بن الخطاب حين قُتل ببدر، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله تعالى في أبويه وامرأته هذه الآية.

قوله تعالى: { أحَسِبَ النَّاسُ } قال ابن عباس: يريد بالناس: الذين آمنوا بمكة، كعيَّاش بن أبي ربيعة، وعمَّار بن ياسر، وسَلَمة بن هشام، وغيرهم.

قال الزجاج: لفظ الآية استخبار، ومعناه معنى التقرير والتوبيخ؛ والمعنى: أحَسِب النَّاس أن يُتْرَكوا بأن يقولوا: آمَنَّا، ولأَن يقولوا: آمَنَّا، أي: أَحَسِبوا أن يُقْنَع منهم بأن يقولوا: إِنَّا مؤمنون، فقط، ولا يُمتَحنون بما يبيِّن حقيقة إِيمانهم، { وهم لا يُفْتَنون } أي لا يُختَبرون بما يُعْلَم به صِدق إِيمانهم من كذبه.

وللمفسرين فيه قولان.

أحدهما: لا يُفْتَنون في أنفسهم بالقتل والتعذيب، قاله مجاهد.

والثاني: لا يُبْتَلَوْن بالأوامر والنواهي.

قوله تعالى: { ولقد فَتَنَّا الذِين مِنْ قَبْلِهم } أي: ابتليناهم واختبرناهم، { فَلَيَعْلَمَنَّ اللّهُ } فيه ثلاثة أقوال.

أحدهما: فلَيُرِيَنَّ اللّهُ الذين صَدَقوا في إِيمانهم عند البلاء إِذا صبروا لقضائه، ولَيُرِيَنَّ الكاذبين في إِيمانهم إِذا شكُّوا عند البلاء، قاله مقاتل.

والثاني: فلَيُمَيِّزَنَّ، لأنَّه [قد] عَلِم ذلك مِنْ قَبْل، قاله أبو عبيدة.

والثالث: فلَيُظْهِرَنَّ ذلك حتى يوجد معلوماً، حكاه الثعلبي.

وقرأ عليّ بن أبي طالب، وجعفر بن محمد: { فلَيُعْلِمَنَّ اللّهُ } { ولَيُعْلِمَنَّ الكاذبين }ولَيُعْلِمَنَّ اللّهُ الذين آمنوا ولَيُعْلِمَنَّ المنافقين } [العنكبوت: 11] بضم الياء وكسر اللام.

قوله تعالى: { أَمْ حَسِبَ } أي: أَيَحْسَب { الذين يَعْمَلون السَّيِّئات } يعني الشِّرك { أن يَسْبِقونا } أي: يفُوتونا ويُعْجِزونا { ساء ما يحكُمون } أي: بئس ما حكموا لأنفسهم حين ظنُّوا ذلك. قال ابن عباس: عنى بهم الوليد بن المغيرة، وأبا جهل، والعاص بن هشام، وغيرهم.