الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } * { قُلْ سِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ ٱللَّهُ يُنشِىءُ ٱلنَّشْأَةَ ٱلآخِرَةَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَآءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ } * { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُوْلَـٰئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ أَوَلَمْ يَرَوا } [قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر { يَرَواْ } ] بالياء وقرأ حمزة، والكسائي: بالتاء. [وعن عاصم كالقراءتين]. وعنى بالكلام كفار مكة { كيف يُبْدِىء اللّهُ الخَلْق } أي: كيف يخلُقهم ابتداءً من نطفة، ثم من علقة، ثم من مُضغة إِلى أن يتم الخلق { ثُمَّ يُعيده } أي: ثم هو يُعيده في الآخرة عند البعث. وقال أبو عبيدة: مجازه: أولم يَرَوا كيف استأنف الله الخلق الأوَّل ثم يعيده. وفيه لغتان: أبدأ وأعاد، وكان مُبدئاً ومُعيداً، وبدأ وعاد، وكان بادئاً وعائداً.

قوله تعالى: { إِنَّ ذلك على الله يسير } يعني الخَلْق الأول والخَلْق الثاني.

قوله تعالى: { قُلْ سِيروا في الأرض } أي: انظروا إِلى المخلوقات التي في الأرض، وابحثوا عنها هل تجدون لها خالقاً غير الله، فاذا علموا أنه لا خالق لهم سواه، لزمتهم الحجة في الإِعادة، وهو قوله: { ثُمَّ اللّهُ يُنشىء النشَّأة الآخرة } أي: ثم الله ينشئهم عند البعث نشأة أخرى. وأكثر القراء قرؤوا: { النَّشْأة } بتسكين الشين وترك المد. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: { النَّشاءَة } بالمد.

قوله تعالى: { يعذِّب من يشاء } فيه قولان.

أحدهما: أنَّه في الآخرة بعد إِنشائهم.

والثاني: أنَّه في الدنيا. ثم فيه خمسة أقوال حكاها الماوردي.

أحدها: يعذِّب من يشاء بالحرص، ويرحم من يشاء بالقناعة.

والثاني: يعذِّب بسوء الخُلُق ويرحم بحُسْن الخُلُق.

والثالث: يعذِّب بمتابعة البدعة، ويرحم بملازمة السُّنَّة.

والرابع: يعذِّب بالانقطاع إِلى الدنيا، ويرحم بالإِعراض عنها.

والخامس: يعذِّب من يشاء ببغض الناس له، ويرحم من يشاء بحبِّ الناس له.

قوله تعالى: { وإِليه تُقْلَبون } أي: تُرَدُّون { وما أنتم بمُعْجِزِين في الأرض } فيه قولان حكاهما الزجاج.

أحدهما: وما أنتم بمعجزين في الأرض، ولا أهلُ السماء بمعجزين في السماء.

والثاني: وما أنتم بمعجزين في الأرض، ولا لو كنتم في السماء وقال قطرب: هذا كقولك: ما يفوتني فلان لا هاهنا ولا بالبصرة، أي: ولا بالبصرة لو صار إِليها. قال مقاتل: والخطاب لكفار مكة؛ والمعنى: لا تَسبقون الله حتى يجزيَكم بأعمالكم السيِّئة، { وما لكم مِنْ دون الله مِنْ وليٍّ } أي: قريب ينفعكم { ولا نصيرٍ } يمنعكم من الله.

قوله تعالى: { والذين كفروا بآيات الله ولقائه } أي: بالقرآن والبعث { أولئك يَئِسوا مِنْ رحمتي } في الرحمة قولان.

أحدهما: الجنة، قاله مقاتل.

والثاني: العفو والمغفرة، قاله أبو سليمان. قال ابن جرير: وذلك في الآخرة عند رؤية العذاب.