الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ } * { وَقَالَتِ ٱمْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

قوله تعالى: { وأَوحينا إِلى أُمِّ موسى } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنَّه إِلهام، قاله ابن عباس.

والثاني: أنَّ جبريل أتاها بذلك، قاله مقاتل.

والثالث: أنَّه كان رؤيا منام، حكاه الماوردي. قال مقاتل: واسم أم موسى «يوخابذ».

قوله تعالى: { أنْ أَرْضِعِيه } قال المفسرون: كانت امرأةٌ من القوابل مصافية لأم موسى، فلمَّا وضعتْه تولَّت أمرها ثم خرجت فرآها بعض العيون فجاؤوا ليدخلوا على أم موسى، فقالت أخته: يا أُمَّاه هذا الحرس بالباب، فلفَّت موسى في خرقة ووضعته في التَّنُّور وهو مُسْجَر، فدخلوا ثم خرجوا، فقالت لأخته: أين الصبيُّ، قالت: لا أدري، فسمعت بكاءه من التَّنُّور فاطَّلعت وقد جعل الله عليه النَّارَ بَرْداً وسلاماً، فأرضعته بعد ولادته ثلاثة أشهر، وقيل: أربعة أشهر، فلمَّا خافت عليه صنعت له التابوت.

وفي قوله: { فاذا خِفْتِ عليه } قولان.

أحدهما: إِذا خِفْتِ عليه القتل، قاله مقاتل.

والثاني: إِذا خِفْتِ [عليه] أن يصيح أو يبكي فيُسمع صوتُه، قاله ابن السائب.

وفي قوله: { ولا تَخافي } قولان.

أحدهما: أن يغرق، قاله ابن السائب.

والثاني: أن يضيع، قاله مقاتل.

وقال الأصمعي: قلت لأعرابية: ما أفصحكِ! فقالت: أوَ بعد هذه الآية فصاحة وهي قوله { وأَوحينا إِلى أم موسى أن أرضعيه، فاذا خفت عليه فألقيه في اليم، ولا تخافي ولا تحزني، إِنَّا رادُّوه إِليك وجاعلوه من المرسلين } جمع فيها بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين؟!

قوله تعالى: { فالتقَطَه آلُ فرعون } الالتقاط: إِصابة الشيء من غير طلب، والمراد بآل فرعون: الذين تولَّوا أخذ التابوت من البحر.

وفي الذين التقطوه ثلاثة أقوال.

أحدها: جواري امرأة فرعون، قاله السدي.

والثاني: ابنة فرعون، قاله محمد بن قيس.

والثالث: أعوان فرعون، قاله ابن إِسحاق.

قوله تعالى: { لِيَكونَ لهم عدوّاً } أي: ليصير بهم الأمر إِلى ذلك، لا أنهم أخذوه لهذا، وهذه اللام تسمى لام العاقبة، وقد شرحناه في [يونس:88].

وللمفسرين في معنى الكلام قولان.

أحدهما: ليكون لهم عَدُوّاً في دينهم وحَزَناً لِمَا يصنعه بهم.

والثاني: عدوّاً لرجالهم وحَزَنَاً على نسائهم، فقتل الرجال بالغرق، واستعبد النساء. { وقالت امرأة فرعون } وهي آسية بنت مزاحم، وكانت من بني إِسرائيل تزوجها فرعون: { قُرَّةُ عَيْنٍ } قال الزجاج: رفع { قُرَّةُ عَيْنٍ } على إِضمار «هو». قال المفسرون: كان فرعون لا يولد له إِلا البنات، فقالت: { عسى أن ينفعنا } فنُصيب منه خيراً { أو نَتَّخِذَه ولداً } ، { وهم لا يشعرون } فيه أربعة أقوال.

أحدها: لا يشعرون أنَّه عدوٌّ لهم، قاله مجاهد.

والثاني: أنَّ هلاكهم على يديه، قاله قتادة.

والثالث: لا يشعر بنو إِسرائيل أنَّا التقطناه، قاله محمد ابن قيس.

والرابع: لا يشعرون أنِّي أفعل ما أريد لا ما يريدون، قاله محمد ابن إِسحاق.