الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ } * { وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّ قارونَ كان من قوم موسى } أي: من عشيرته؛ وفي نسبه إِلى موسى ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه كان ابن عمه، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عبد الله بن الحارث، وإِبراهيم، وابن جريج.

والثاني: ابن خالته، رواه عطاء عن ابن عباس.

والثالث: أنه كان عمَّ موسى، قاله ابن إِسحاق.

قال الزجاج: «قارون» اسم أعجمي لا ينصرف، ولو كان «فاعولاً» من العربية من «قرنتُ الشيء» لانصرف.

قوله تعالى: { فبغى عليهم } فيه خمسة أقوال.

أحدها: أنه جعل لِبَغِيٍّ جُعْلاً على أن تقذف موسى بنفسها، ففعلت، فاستحلفها موسى على ما قالت، فأخبرته بقصتها، فكان هذا بغيه، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه بغى بالكفر بالله تعالى، قاله الضحاك.

والثالث: بالكِبْر، قاله قتادة.

والرابع: أنه زاد في طول ثيابه شِبراً، قاله عطاء الخراساني، وشهر بن حوشب.

والخامس: أنه كان يخدم فرعون فتعدَّى على بني إِسرائيل وظلمهم، حكاه الماوردي. وفي المراد بمفاتحه قولان.

أحدهما: أنها مفاتيح الخزائن التي تفتح بها الأبواب، قاله مجاهد، وقتادة. وروى الأعمش عن خيثمة قال: كانت مفاتيح قارون وِقْر ستين بغلاً، وكانت من جلود، كل مفتاح مثل الأصبع.

والثاني: أنها خزائنه، قاله السدي، وأبو صالح، والضحاك. قال الزجاج: وهذا الأشبه أن تكون مفاتحه خزائن ماله؛ وإِلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة. قال أبو صالح: كانت خزائنه تُحمل على أربعين بغلاً.

قوله تعالى: { لَتَنُوءُ بالعُصبة } أي: تُثقلهم وتُميلهم. ومعنى الكلام: لَتُنِيءُ العصبةَ، فلمَّا دخلت الباءُ في «العُصْبة» انفتحت التاء، كما تقول: هذا يَذْهَبُ بالأبصارِ، وهذا يُذْهِبُ الأبصارَ، وهذا اختيار الفراء، وابن قتيبة، والزجَّاج في آخرين. وقال بعضهم: هذا من المقلوب، وتقديره: ما إِن العُصْبة لَتَنُوء بمفاتحه، كما يقال: إِنها لَتَنُوء بها عجيزُتها، أي: هي تَنْوء بعجيزتها، وأنشدوا:
فَدَيْتُ بِنَفْسِهِ نَفِسْي ومَالي   ومَا آلُوكَ إِلاَّ مَا أُطِيقُ
أي: فديت بنفسي وبمالي نفسه، وهذا اختيار أبي عبيدة، والأخفش. وقد بيَّنَّا معنى العُصْبة في سورة [يوسف:8]، و [في] المراد بها [هاهنا] ستة أقوال.

أحدها: أربعون رجلاً، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثاني: ما بين الثلاثة إِلى العشرة، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: خمسة عشر، قاله مجاهد.

والرابع: فوق العشرة إِلى الأربعين، قاله قتادة.

والخامس: سبعون رجلاً، قاله أبو صالح.

والسادس: ما بين الخمسة عشر إِلى الأربعين، حكاه الزجاج. قوله تعالى { إِذ قال له قومه } في القائل له قولان.

أحدهما: أنهم المؤمنون من قومه، قاله السدي.

والثاني: أنه قول موسى له، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: { لا تَفْرَحْ } قال ابن قتيبة: المعنى: لا تأشَرْ، ولا تَبطَرْ، قال الشاعر:
ولستُ بِمِفْراحٍ إِذا الدَّهرُ سَرَّني   ولا جازعٍ من صَرْفهِ المُتَحَوِّلِ

السابقالتالي
2