الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } * { فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ ٱلْوَادِي ٱلأَيْمَنِ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ أَن يٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } * { ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } * { وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } * { قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ }

قوله تعالى: { فلمَّا قضى موسى الأجَلَ } روى ابن عباس رضي الله عنهما " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أيّ الأجلين قضى موسى، قال: «أوفاهما وأطيبهما» " قال مجاهد: مكث بعد قضاء الأجل عندهم عشراً أُخَر. وقال وهب بن منبِّه: أقام عندهم بعد أن أدخل عليه امرأته سنين، وقد سبق تفسير هذه الآية [طه:10] إِلى قوله: { أو جَذْوَةٍ } وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي: { جِذْوَةٍ } بكسر الجيم. وقرأ عاصم بفتحها. وقرأ حمزة، وخلف، والوليد عن ابن عامر بضمها، وكلُّها لغات. قال ابن عباس: الجذوة: قطعة حطب فيها نار، وقال أبو عبيدة: قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لَهب، وهي مثل الجِذْمَة من أصل الشجرة، قال ابن مقبل:
باتَتْ حَوَاطِبُ لَيْلَى يَلْتَمِسْنَ لَهَا   جَزْلَ الجِذَا غيرَ خَوَّارٍ وَلا دَعِرِ
والدَّعِر: الذي قد نَخِر، ومنه رجل داعر، أي: فاسد.

قوله تعالى: { نُودِيَ مِنْ شاطىء الواد } وهو: جانبه { الأيمنِ } وهو الذي عن يمين موسى { في البُقْعة } وهي القطعة من الأرض { المباركةِ } بتكليم الله موسى فيها { مِنَ الشجرة } أي: من ناحيتها. وفي تلك الشجرة قولان.

أحدهما: [أنها] شجرة العنَّاب، قاله ابن عباس.

والثاني: عوسجة، قاله قتادة، وابن السائب، ومقاتل. وما بعد هذا قد سبق بيانه [النمل:10] إِلى قوله: { إِنك من الآمنين } أي: من أن ينالك مكروه.

قوله تعالى: { أُسْلُك يدك } أي: أَدْخِلها، { واضمُمْ إِليكَ جناحك } قد فسرنا الجناح في [طه:22] إِلا ان بعض المفسرين خالف بين تفسير اللفظين، فشرحناه. وقال ابن زيد: جناحه: الذِّراع والعضُد والكفُّ. وقال الزجاج: الجناح هاهنا: العضُد، ويقال لليد كلِّها: جناح. وحكى ابن الأنباري عن الفراء أنه قال: الجناح هاهنا: العصا. قال ابن الأنباري: الجناح للانسان مشبَّه بالجناح للطائر، ففي حال تُشبَِّه العربُ رِجْلي الإِنسان بجناحَي الطائر، فيقولون: قد مضى فلان طائراً في جناحيه، يعنون ساعياً على قدميه، وفي حال يجعلون العضد منه بمنزلة جناحي الطائر، كقوله: { واضمُمْ يدك إِلى جناحك } ، وفي حال يجعلون العصا بمنزلة الجناح، لأن الإِنسان يدفع بها عن نفسه كدفع الطائر عن نفسه بجناحه، كقوله: { واضمُمْ إِليك جناحك مِنْ الرَّهْب } ، وإِنما يوقع الجناح على هذه الأشياء تشبيهاً واستعارة، كما يقال: قد قُصَّ جناح الإِنسان، وقد قُطعت يده ورجله: إِذا وقعت به جائحة أبطلت تصرُّفه؛ ويقول الرجل للرجل: أنت يدي ورِجْلي، أي: أنت مَنْ به أُصِلُ إِلى محابِّي، قال جرير:
سَأَشْكُرُ أَنْ رَدَدْتَ إِليَّ رِيشي   وأَنْبَتَّ القَوادمَ في جَناحِي
وقالت امرأة من العرب ترثي زوجها الأغرّ:
يا عِصمتي في النَّائبات ويا   رُكْني [الأغرّ] ويا يَدي اليمنى
لا صُنْتُ وجهاً كنتُ صَائنه   أبداً ووجهك في الثرى يَبْلى

السابقالتالي
2