الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ } * { فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } * { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ } * { قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } * { قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }

قوله تعالى: { فخرج منها } أي: من مصر { خائفاً } وقد مضى تفسيره [القصص:18].

قوله تعالى: { نجِّني مِنَ القومِ الظالمين } يعني المشركين أهل مصر.

{ ولمَّا توجَّه تِلْقَاءَ مَدْيَنَ } قال ابن قتيبة: أي: تِجَاهَ مَدْيَن ونحوَها وأصله: اللِّقاء، وزيدت فيه التاء، قال الشاعر:
[أمَّلْتُ خَيْرَكَ هل تأتي مَواعِدُهُ]   فاليومَ قَصَّرَ عن تِلْقَائك الأَملُ
أي: عن لقائك.

قال المفسرون: خرج خائفاً بغير زاد ولا ظَهْر، وكان بين مصر ومَدْيَن مسيرة ثمانية أيام، ولم يكن له بالطريق عِلْم، فـ { قال عسى ربِّي أن يَهْدِيَني سَواءَ السَّبيل } أي: قَصْدَه. قال ابن عباس: لم يكن له عِلْم بالطريق إِلاَّ حُسْن ظنِّه بربِّه. وقال السدي: بعث الله له مَلَكاً فدلَّه، قالوا: ولم يكن له في طريقه طعام إِلا ورق الشجر، فورد ماءَ مَدْيَن وخُضرةُ البقل تتراءى في بطنه من الهُزَال؛ والأُمَّة: الجماعة، وهم الرعاة، { يَسْقون } مواشيهم { وَوَجد مِنْ دونهم } أي من سوى الأُمَّة { امرأتين } وهما ابنتا شعيب؛ قال مقاتل: واسم الكبرى: صبورا والصغرى: عبرا { تذودان } قال ابن قتيبة: أي: تكُفَّان غَنَمهما، فحذف الغنم اختصاراً. قال المفسرون: وإِنما فَعَلَتا ذلك ليَفْرُغ الناس وتخلوَ لهما البئر، قال موسى: { ما خَطْبُكما } أي: ما شأنكما لا تسقيان؟! { قالتا لا نَسْقِي } وقرأ ابن مسعود، وأبو الجوزاء، وابن يعمر، وابن السميفع: { لا نُسقي } برفع النون { حتى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ } وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وأبو جعفر: «يَصْدُرَ» بفتح الياء وضم الدال، أي حتى يرجع الرِّعاء. وقرأ الباقون { يُصْدِرَ } بضم الياء وكسرالدال، أرادوا: حتى يَرُدَّ الرِّعاء غنمهم عن الماء، والرِّعاء: جمع راعٍ، كما يقال: صاحب وصِحاب. وقرأ عكرمة، وسعيد بن جبير، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: { الرُّعَاءُ } بضم الراء، والمعنى: نحن امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال { وأبونا شيخ كبير } لا يَقْدِر أن يَسْقيَ ماشيته من الكِبَر؛ فلذلك احْتَجْنَا نحن إِلى أن نسقيَ، وكان على تلك البئر صخرة عظيمة، فاذا فرغ الرِّعاء مِنْ سَقيهم أعادوا الصخرة، فتأتي المرأتان إِلى فضول حياض الرِّعاء فتَسْقيان غنمهما. { فسقى لهما } موسى.

وفي صفة ما صنع قولان.

أحدهما: أنه ذهب إلى بئر أُخرى عليها صخرة لا يقتلعها إِلا جماعة من الناس، فاقتلعها وسقى لهما، قاله عمر بن الخطاب، وشُريح.

والثاني: أنه زاحم القوم على الماء، وسقى لهما، قاله ابن إِسحاق، والمعنى: سقى غنمهما لأجلهما.

{ ثم تولَّى } أي: انصرف { إِلى الظِّلِّ } وهو ظِل شجرة { فقال ربِّ إِنِّي لِمَا } اللام بمعنى إِلى، فتقديره: إِنِّي إِلى ما { أَنْزَلْتَ إِليَّ مِنْ خَيْرٍ فَقيرٌ } وأراد بالخير: الطعام. وحكى ابن جرير: أنه أسمع المرأتين هذا الكلام تعريضاً أن تُطْعِماه، { فجاءته إِحداهما } المعنى: فلمّا شربتْ غنمَهُما رَجَعَتا إِلى أبيهما فأخبرتاه خبر موسى، فبعث إِحداهما تدعو موسى.

السابقالتالي
2