الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } * { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ } * { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } * { وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { ويَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّور } قال ابن عباس: هذه النفخة الأولى.

قوله تعالى: { ففَزِعَ مَنْ في السمواتِ ومَن في الأرض } [قال المفسرون: المعنى: فيفزع مَن في السماوات ومن في الارض]، والمراد أنهم ماتوا، بلغ بهم الفزع إِلى الموت.

وفي قوله: { إِلاَّ مَنْ شاء اللّهُ } ثلاثة أقوال.

أحدها: أنهم الشهداء، قاله أبو هريرة، وابن عباس، وسعيد بن جبير.

والثاني: جبريل وميكائيل وإِسرافيل ومَلَك الموت، ثم إِن الله تعالى يميتهم بعد ذلك، قاله مقاتل.

والثالث: أنهم الذين في الجنة من الحور وغيرهن، وكذلك مَن في النار، لأنهم خُلقوا للبقاء، ذكره أبو إِسحاق ابن شاقلا من أصحابنا.

قوله تعالى: { وكُلٌّ } أي: من الأحياء الذين ماتوا ثم أُحيوا { آتُوه } وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم: { أَتَوْهُ } بفتح التاء مقصورة، أي: يأتون الله يوم القيامة { داخِرِينَ } قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: صاغرين. قال أبو عبيدة: { كُلٌّ } لفظه لفظ الواحد، ومعناه يقع على الجميع، فهذه الآية في موضع جمع.

قوله تعالى: { وتَرَى الجبالَ } قال ابن قتيبة: هذا يكون إِذا نُفخ في الصُّور، تُجمَع الجبالُ وتُسَيَّر، فهي لكثرتها تُحسب { جامدة } أي: واقفة { وهي تَمُرُّ } أي: تسير سير السحاب، وكذلك كلُّ جيش عظيم يحسبه الناظر من بعيد واقفاً وهو يسير، لكثرته، قال الجَعْدِيّ يصف جيشاً:
بِأَرْعَنَ مِثْلِ الطَّوْدِ تَحْسَبُ أنَّهُمْ   وُقُوفٌ لِحَاجٍ والرِّكاب تُهَمْلِجُ
قوله تعالى: { صُنْعَ اللّهِ } قال الزجاج: هو منصوب على المصدر، لأن قوله: { وتَرَى الجبال تحسَبُها جامدةً } دليل على الصنعة، فكأنه قال: صنع الله ذلك صنعاً، ويجوز الرفع على معنى: ذلك صُنْع الله. فأما الإِتقان، فهو في اللغة: إِحكام الشيءِ.

قوله تعالى: { إِنَّه خَبير بما تَفْعَلون } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: { يفعلون } بالياء. وقرأ نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي بالتاء.

قوله تعالى: { مَنْ جاءَ بالحسَنة } قد شرحنا الحسنة والسيِّئة في آخر [الأنعام:160].

قوله تعالى: { فله خير منها } فيه قولان.

أحدهما: فله خير منها يصل إِليه، وهو الثواب، قاله ابن عباس، والحسن، وعكرمة.

والثاني: فله أفضل منها، لأنه يأتي بحسنة فيُعطى عشر أمثالها، قاله زيد ابن أسلم.

قوله تعالى: { وهم من فزع يومئذ } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر { مِنْ فَزَعِ يَوْمِئِذٍ } مضافاً. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: { مِنْ فَزَعٍ } بالتنوين { يومَئذٍ } بفتح الميم. وقال الفراء: الإِضافة أعجب إِليَّ في العربية، لأنه فزع معلوم، ألا ترى إِلى قوله:لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأََكْبَرُ } [الانبياء:103] فصيَّره معرِفة، فاذا أضفت مكان المعرفة كان أحبَّ إِليَّ. واختار أبو عبيدة قراءة التنوين وقال: هي أعمُّ التأويلين، فيكون الأمن من جميع فزع ذلك اليوم. قال أبو علي الفارسي: إِذا نوّن جاز أن يُعنى به فزعٌ واحدٌ، وجاز أن يُعنى به الكثرة، لأنه مصدر، والمصادر تدل على الكثرة وإِن كانت مفردة الألفاظ، كقوله:

السابقالتالي
2