الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ } * { ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ } * { قَالَ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } * { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } * { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }

قوله تعالى: { فلما جاء سليمانَ } قال الزجاج: لما جاء رسُولها، ويجوز: فلمَّا جاء بِرُّها.

قوله تعالى: { أتُمِدُّونَني بمال } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: { أتُمِدُّونَني } بنونين وياء في الوصل. وروى المسيِّبي عن نافع: { أتُمِدُّوني } بنون واحدة خفيفة وياء في الوصل والوقف. وقرأ عاصم، وابن عامر، والكسائي: { أتُمِدُّونَنِ } بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ حمزة: { أتُمِدُّونِّي بمال } بنون واحدة مشددة ووقف على الياء.

قوله تعالى: { فما آتانيَ اللّهُ } قرأ ابن كثير، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: { فما آتانِ اللّهُ } بكسر النون من غير ياء. وقرأ أبو عمرو، ونافع، وحفص عن عاصم: { آتانيَ } بفتح الياء. وكلُّهم فتحوا التاء غير الكسائي، فإنه أمالها من { آتاني اللّهُ } وأمال حمزة: { أنا آتيكَ به } أشمَّ النون شيئاً من الكسر، والمعنى: فما آتاني الله، أي: من النبوَّة والملك { خيرٌ مما آتاكم } من المال { بل أنتم بهديَّتكم تَفْرَحون } يعني إِذا أهدى بعضكم إِلى بعض فرح، فأمّا أنا فلا، ثم قال للرسول: { إِرجع إِليهم فلنأتينَّهم بجنود لا قِبَلَ } أي: لا طاقة { لهم بها ولنُخرِجَنَّهم منها } يعني بلدتهم. فلمّا رجعتْ رسلُها إِليها بالخبر، قالت: قد علمتُ أنَّه ليس بملِك وما لنا به طاقة، فبعثتْ إِليه، إِني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما تدعو إِليه، ثم أمرت بعرشها فجُعل وراء سبعة أبواب، ووكَّلتْ به حرساً يحفظونه، وشخصت إِلى سليمان في اثني عشر ألف ملِك، تحت يدي كل ملِك منهم ألوف، وكان سليمان مَهيباً لا يُبتَدأ بشيء حتى يسأل عنه، فجلس يوماً على سرير ملكه فرأى رهجاً قريباً منه، فقال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس قد نزلت بهذا المكان، وكان قدر فرسخ، وقد كان بلغه أنها احتاطت على عرشها قبل خروجها فـ { قال يا أيُّها الملأُ أيُّكم يأتيني بعرشها } ، وفي سبب طلبه له خمسة أقوال.

أحدها: ليعلم صِدق الهدهد، قاله ابن عباس.

والثاني: ليجعل ذلك دليلاً على صِدق نبوَّته، لأنها خلَّفته في دارها واحتاطت عليه، فوجدته قد تقدَّمها، قاله وهب بن منبه.

والثالث: ليختبر عقلها وفطنتها، أتعرفه أم تُنْكِره، قاله سعيد بن جبير.

والرابع: لأن صفته أعجبتْه، فخشي أن تُسْلِم فيحرم عليه مالها، فأراد أخذه قبل ذلك، قاله قتادة.

والخامس: ليريَها قدرة الله تعالى وعِظَم سلطانه، حكاه الثعلبي.

قوله تعالى: { قال عِفْريتٌ من الجِنِّ } قال أبو عبيدة: العِفْريت من كل جِنّ أو إِنس: الفائق المبالغ الرئيس. وقال ابن قتيبة: العِفْريت: الشديد الوثيق. وقال الزجاج: العفريت: النافذ في الأمر، المبالغ فيه مع خُبث ودهاء.

وقرأ أُبيُّ بن كعب، والضحاك، وأبو العالية، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: { قال عَفْرِيت } بفتح العين وكسر الراء. وروى ابن أبي شريح عن الكسائي: «عِفْريَةٌ» بفتح الياء وتخفيفها؛ وروي عنه أيضاً تشديدها وتنوين الهاء على التأنيث.

السابقالتالي
2