الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ } * { قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ } * { قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } * { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ }

قوله تعالى: { أَفْتُوني في أمري } أي: بيِّنوا لي ما أفعل، وأشيروا عليَّ. قال الفراء: جعلت المشورة فُتْيا، وذلك جائز لسَعة اللغة.

قوله تعالى: { ما كنتُ قاطعةً أمراً } أي: فاعلته { حتى تَشْهَدُون } أي: تَحْضُرون؛ والمعنى: إِلا بحضوركم ومشورتكم.

{ قالوا نحن أولُوا قُوَّة } فيه قولان.

أحدهما: أنهم أرادوا القُوَّة في الأبدان.

والثاني: كثرة العدد والبأس والشجاعة في الحرب.

وفيما أرادوا بذلك القول قولان.

أحدهما: تفويض الأمر إِلى رأيها.

والثاني: تعريض منهم بالقتال إِن أمرتْهم.

ثم قالوا: { والأمر إِليكِ } أي: في القتال وتركه. { قالت إِن الملوك إِذا دخلوا قرية } قال الزجاج: المعنى: إِذا دخلوها عَنْوة عن قتال وغَلَبة.

قوله تعالى: { أفسَدوها } أي: خرَّبوها { وجعلوا أعِزَّة أهلها أذلَّة } أي: أهانوا أشرافها ليستقيم لهم الأمر. ومعنى الكلام: أنها حذَّرتْهم مسير سليمان إِليهم ودخوله بلادها.

قوله تعالى: { وكذلك يَفْعَلون } فيه قولان.

أحدهما: أنه من تصديق الله تعالى، لقولها، قاله الزجاج.

والثاني: من تمام كلامها؛ والمعنى: وكذلك يفعل سليمان وأصحابه إِذا دخلوا بلادنا، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: { وإِنِّي مُرْسِلة إِليهم بهديَّة } قال ابن عباس: إِنما أرسَلَت الهديَّة لتعلم أنه إِن كان نبيّاً لم يُرِد الدُّنيا، وإِن كان مَلِكاً فسيرضى بالحَمْل، وأنها بعثت ثلاث لَبِنات مِنْ ذهب في كل لَبِنة مائة رطل؛ وياقوتةً حمراء طولها شِبر مثقوبة، وثلاثين وصيفاً وثلاثين وصيفة، وألبستْهم لباساً واحداً حتى لا يُعرف الذكر من الأنثى، ثم كتبتْ إِليه: إِنِّي قد بعثتُ إِليكَ بهديَّة فاقبلها، وبعثتُ إِليكَ بياقوتة طولها شبر، فأدخل فيها خيطاً واختِم على طرفي الخيط بخاتَمك، وقد بعثت إِليك ثلاثين وصيفاً وثلاثين وصيفة، فميِّز بين الجواري والغِلمان؛ فجاء أمير الشياطين فأخبره بما بعثتْ إِليه، فقال له: انطلق فافرش على طريق القوم من باب مجلسي ثمانية أميال في ثمانية أميال [لَبِناً] من الذهب؛ فانطلق، فبعث الشياطين، فقطعوا اللَّبِن من الجبال وطلَوه بالذهب وفرشوه، ونصبوا في الطريق أساطين الياقوت الأحمر، فلمّا جاء الرُّسُل، قال بعضهم لبعض: كيف تدخُلون على هذا الرجل بثلاث لَبِنات، وعنده ما رأيتم؟! فقال رئيسهم: إِنما نحن رُسُل، فدخلوا عليه، فوضعوا اللَّبِن بين يديه، فقال: أتُمِدُّنني بمال؟ ثم دعا ذَرَّةً فربط فيها خيطاً وأدخلها في ثَقْب الياقوتة حتى خرجت من طرفها الآخر، ثم جمع بين طرفي الخيط فختم عليه ودفعها إِليهم، ثم ميَّز بين الغِلمان والجواري، هذا كلُّه مرويّ عن ابن عباس. وقال مجاهد: جعلت لباس الغِلمان للجواري ولباس الجواري للغلمان، فميَّزهم ولم يقبل هديَّتها. وفي عدد الوصائف والوُصفاء خمسة أقوال.

أحدها: ثلاثون وصيفاً وثلاثون وصيفة، وقد ذكرناه عن ابن عباس.

والثاني: خمسمائة غلام وخمسمائة جارية، قاله وهب.

والثالث: مائتا غلام ومائتا جارية، قاله مجاهد.

السابقالتالي
2