قوله تعالى: { وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ } التفقُّد: طلب ما غاب عنك؛ والمعنى أنه طلب ما فقد من الطير؛ والطَّير اسم جامع للجنس، وكانت الطَّير تصحب سليمان في سفره تُظِلُّه بأجنحتها { فقال ماليَ لا أرى الهُدْهُدَ } قرأ ابن كثير، وعاصم، والكسائي: { ما لِيَ لا أرى الهُدْهُدَ } بفتح الياء. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة بالسكون، والمعنى: ما للهدهد [لا أراه]؟! تقول العرب: مالي أراك كئيباً، أي: مَالَكَ؟ فهذا من المقلوب الذي معناه معلوم. قال المفسرون: لمَّا فَصَل سليمان عن وادي النمل، وقع في قفر من الأرض، فعطش الجيش فسألوه الماء، وكان الهدهد يدلُّه على الماء، فاذا قال له: هاهنا الماء، شقَّقت الشياطين الصَّخر وفجَّرت العيون قبل أن يضربوا أبنيتهم، وكان الهدهد يرى الماء في الأرض كما يرى الماء في الزجاجة، فطلبه يومئذ فلم يجده. وقال بعضهم: إِنما طلبه لأن الطَّير كانت تُظِلُّهم من الشمس، فأخلَّ الهدهد بمكانه، فطلعت الشمس عليهم من الخلل. قوله تعالى: { أمْ كان } قال الزجاج: معناه: بل كان. قوله تعالى: { لأُعَذِّبَنَّهُ عذاباً شديداً } فيه ستة أقوال. أحدها: نتف ريشه، قاله ابن عباس، والجمهور. والثاني: نتفه وتشميسه، قاله عبد الله بن شداد. والثالث: شد رجله وتشميسه، قاله الضحاك. والرابع: أن يطليَه بالقطران ويشمّسه، قاله مقاتل بن حيان. والخامس: ان يودِعه القفص. والسادس: أن يفرِّق بينه وبين إِلفه، حكاهما الثعلبي. قوله تعالى: { أو لَيَأْتِيَنِّي } وقرأ ابن كثير: { لَيَأْتِيَنَّنِي } بنونين، وكذلك هي في مصاحفهم. فأما السلطان، فهو الحُجَّة، وقيل: العُذر. وجاء في التفسير أن سليمان لما نزل في بعض مسيره، قال الهدهد: إِنه قد اشتغل بالنزول فأرتفع أنا إِلى السماء فأنظر إِلى طول الدنيا وعرضها، فارتفع فرأى بستاناً لبلقيس، فمال إِلى الخُضرة فوقع فيه، فاذا هو بهدهد قد لقيَه، فقال: من اين أقبلت؟ قال: من الشام مع صاحبي سليمان، فمن أين أنت؟ قال: من هذه البلاد، وملكها امرأة يقال لها: بلقيس، فهل انت مُنطلق معي حتى ترى مُلْكها؟ قال: أخاف أن يتفقَّدني سليمان وقت الصلاة إِذا احتاج إِلى الماء، قال: إِن صاحبك يسرُّه أن تأتيَه بخبر هذه الملِكة، فانطلق معه، فنظر إِلى بلقيس ومُلْكها، { فمَكث غير بعيد } قرأ الجمهور بضم الكاف، وقرأ عاصم بفتحها، وقرأ ابن مسعود: { فتمكَّث } بزيادة تاء؛ والمعنى: لم يلبث إِلا يسيراً حتى جاء، فقال سليمان: ما الذي أبطأ بك؟ { فقال أَحَطْتُ بما لم تُحِطْ به } أي: علمتُ شيئاً من جميع جهاته مما لم تعلم [به] { وجِئْتُكَ من سَبَأٍ } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: { سَبَأَ } نصباً غير مصروف، وقرأ الباقون خفضاً منوَّناً. وجاء فى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سبأ رجل من العرب.