الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } * { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّالِحِينَ }

قوله تعالى: { ولقد آتينا داود وسليمان عِلْماً } قال المفسرون: عِلْماً بالقضاء وبكلام الطير والدواب وتسبيح الجبال { وقالا الحمدُ لله الذي فضَّلَنا } بالنبوَّة والكتاب وإِلانة الحديد وتسخير الشياطين والجن والإِنس { على كثير من عباده المؤمِنِين } قال مقاتل: كان داود أشد تعبُّداً من سليمان، وكان سليمان أعظمَ مُلْكاً منه وأفطن.

قوله تعالى: { وَورِث سليمانُ داودَ } أي: ورث نبوَّته وعِلْمه ومُلْكه، وكان لداود تسعة عشر ذكراً، فخصّ سليمان بذلك، ولو كانت وراثة مال لكان جميع أولاده فيها سواء.

قوله تعالى: { وقال } يعني سليمان لبني إِسرائيل { يا أيُّها الناسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْر } قرأ أُبيُّ بن كعب { عَلَمْنا } بفتح العين واللام. قال الفراء: { مَنْطِقَ الطَّير }: كلام الطَّير، كالمنطق إِذا فُهم، قال الشاعر:
عَجِبْتُ لها أَنَّى يَكُونُ غِناؤها   فَصيحاً ولم تَفْغَرْ بمَنْطِقها فَمَا
ومعنى الآية: فهمنا ما تقول الطَّير. قال قتادة: والنمل من الطَّير. { وأُوتِينا من كُلِّ شىء } قال الزجاج: أي: من كل شىء يجوز أن يؤتاه الأنبياء والناس. وقال مقاتل: أُعطينا المُلك والنبوَّة والكتاب والرِّياح ومَنْطِق الطَّير، وسخِّرت لنا الجنُّ والشياطين.

وروى جعفر بن محمد عن أبيه، قال: أُعطي سليمان مُلْك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سبعمائة سنة وستة أشهر، وملك اهلَ الدنيا كلَّهم من الجن والإِنس والشياطين والدواب والطير والسباع، وأُعطي عِلْم كل شيء ومنطق كل شيء، وفي زمانه صُنعت الصنائع المعجِّبة، فذلك قوله: { عُلِّمنا مَنْطِقَ الطَّير وأوتينا من كلِّ شيء }.

قوله تعالى: { إِنَّ هذا } يعني: الذي أُعطينا { لَهُوَ الفَضْلُ المُبِينُ } أي: الزيادة الظاهرة على ما أُعطي غيرنا. { وحُشِر لسليمان جنودُه } أي: جُمع له كل صِنف من جُنده على حِدَة، وهذا كان في مسيرٍ له، { فهم يُوزَعُون } قال مجاهد: يُحبَس أوَّلُهم على آخرهم. قال ابن قتيبة: وأصل الوَزْع: الكَفُّ والمنع. يقال: وزَعْت الرَّجل، أي: كففته، ووازِعُ الجيش: الذي يكفُّهم عن التفرُّق، ويردُّ مَنْ شَذَّ منهم.

قوله تعالى: { حتَّى إِذا أَتَوا } أي: أشرفوا { على وادي النَّمْل } وفي موضعه قولان.

أحدهما: أنه بالطَّائف، قاله كعب.

والثاني: بالشَّام قاله قتادة.

قوله تعالى: { قالتْ نَمْلَةٌ } وقرأ ابو مجلز، وأبو رجاء، وعاصم الجحدري، وطلحة بن مصرف { نَمُلَةٌ } بضم الميم؛ أي: صاحت بصوت، فلما كان ذلك الصوت مفهوماً عبّر عنه بالقول؛ ولمَّا نَطَقَ النَّمل كما ينطق بنو آدم، أُجري مجرى الآدميين، فقيل: { ادخُلوا } ، وألهم الله تلك النملة معرفة سليمان مُعْجِزاً له، وقد ألهم الله النمل كثيراً من مصالحها تزيد به على الحيوانات، فمن ذلك أنها تكسر كل حبَّة تدخرها قطعتين لئلاّ تَنْبُت، إِلا الكُزْبرة فانها تكسرها أربع قطع، لأنها تَنْبُت إِذا كُسرت قطعتين، فسبحان من ألهمها هذا!

وفي صفة تلك النملة قولان.

السابقالتالي
2