الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } * { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قوله تعالى: { إِنَّه أنا اللّهُ } الهاء عماد في قول أهل اللغة؛ وعلى قول السدي: هي كناية عن المنادي، لأن موسى قال: مَن هذا الذي يناديني؟ فقيل: { إِنَّه أنا الله }.

قوله تعالى: { وأَلْقِ عصاكَ } في الآية محذوف، تقديره: فألقاها فصارت حيَّة، { فلمَّا رآها تهتزُّ كأنَّها جانٌّ } قال الفراء: الجانّ: الحيَّة التي ليست بالعظيمة ولا بالصغيرة.

قوله تعالى: { ولَمْ يُعَقِّبْ } فيه قولان.

أحدهما: لم يلتفت، قاله قتادة.

والثاني: لم يرجع، قاله ابن قتيبة، والزجاج. قال ابن قتيبة: وأهل النظر يرون أنه مأخوذ من العَقْبِ.

قوله تعالى: { إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ المُرْسَلُونَ } أي: لا يخافون عندي. وقيل: المراد: في الموضع الذي يوحى إِليهم فيه، فكأنه نبَّهه على أن من آمنه الله بالنبوَّة من عذابه لا ينبغي أن يخاف من حيَّة.

وفي قوله: { إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ } ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه استثناء صحيح، قاله الحسن، وقتادة، ومقاتل؛ والمعنى: إِلا من ظَلَمَ منهم فانه يخاف. قال ابن قتيبة: علم الله تعالى أن موسى مُسْتَشْعِرٌ خِيفةً من ذَنْبه في الرَّجل الذي وَكزَه، فقال { إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً } أي: توبة وندماً، فانه يخاف، وإِني غفور رحيم.

والثاني: أنه استثناء منقطع؛ والمعنى: لكن من ظلَمَ فانه يخاف، قاله ابن السائب، والزجاج. وقال الفراء: «مَنْ» مستثناة من الذين تُركوا في الكلام، كأنه قال: لا يخاف لديّ المرسَلون، إِنما الخوف على غيرهم، إِلا من ظَلَمَ، فتكون «مَنْ» مستثناة. وقال ابن جرير: في الآية محذوف، تقديره: إِلا من ظَلَمَ، فمن ظَلَمَ ثم بدَّل حُسْناً.

والثالث: أن «إِلاّ» بمعنى الواو، فهو كقولهلِئَلاَّ يكونَ للناس عليكم حُجَّةٌ إِلاَّ الذين ظَلَموا مِنْهُمْ } [البقرة150]، حكاه الفراء عن بعض النحويين، ولم يرضه.

وقرأ أُبيُّ بن كعب، وسعيد بن جبير، والضحاك، وعاصم الجحدري، وابن يعمر: { أَلا مَنْ ظَلَمَ } بفتح الهمزة وتخفيف اللام.

وللمفسرين في المراد بالظلم هاهنا قولان.

أحدهما: المعاصي.

والثاني: الشِّرك. ومعنى { حُسْناً }: توبة وندماً.

وقرأ ابن مسعود، والضَّحَّاك، وأبو رجاء، والأعمش، وابن السميفع، وعبد الوارث عن أبي عمرو: { حَسَناً } بفتح الحاء والسين. { بَعْدَ سُوءٍ } أي: بعد إِساءة. وقيل: الإِشارة بهذا إِلى أن موسى وإِن كان [قد] ظلم نفسه بقتل القبطي، فان الله يغفِر له، لأنه ندم على ذلك وتاب. قوله تعالى: { وأَدْخِلْ يَدَكَ في جَيْبِكَ } الجَيْب حيث جِيبَ من القميص، أي: قُطِع. قال ابن جرير: إِنَّما أًُمر بادخاله يده في جيبه، لأنه كان عليه حينئذ مِدْرَعة من صوف ليس لها كُمّ. والسُّوء: البَرَص.

قوله تعالى: { في تِسْعِ آيات } قال الزجاج: «في» مِنْ صلة قوله { وأَلْقِ عصاك } { وأدخل يدك } ، فالتأويل: أظْهِر هاتين الآيتين في تسع آيات. و «في» بمعنى «مِنْ»، فتأويله: مِنْ تسع آيات؛ تقول: خذ لي عشراً من الإِبل فيها فحلان، أي: منها فحلان، وقد شرحنا الآيات في [بني إِسرائيل:101].

السابقالتالي
2