الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ ٱلْغَاوُونَ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } * { وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

قوله تعالى: { والشُّعراء يتَّبعهم الغاوون } وقرا نافع: { يَتْبعهم } بسكون التاء؛ والوجهان حسنان، يقال: تَبِعْتُ واتَّبعت، مثل حقرتُ واحتقرتُ. وروى العوفي عن ابن عباس، قال: كان رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تهاجيا، فكان مع كل واحد منهما غُواة من قومه، فقال الله: { والشعراء يتَّبعهم الغاوون }. وفي رواية آخرى عن ابن عباس، قال: هم شعراء المشركين. قال مقاتل: منهم عبد الله بن الزِّبَعْرى، وأبو سفيان بن حرب، وهبيرة ابن أبي وهب المخزومي في آخرين، قالوا: نحن نقول مثل قول محمد، وقالوا الشعر، فاجتمع إِليهم غُواة من قومهم يستمعون أشعارهم ويَرْوُون عنهم.

وفي الغاوين ثلاثة أقوال.

أحدها: الشياطين، قاله مجاهد، وقتادة.

والثاني: السُّفهاء، قاله الضحاك.

والثالث: المشركون، قاله ابن زيد.

قوله تعالى: { ألم تَرَ أنَّهم في كُلِّ وادٍ يَهيمون } هذا مَثَل بمن يَهيم في الأودية؛ والمعنى أنهم يأخذون في كل فنّ من لغو وكذب وغير ذلك؛ فيمدحون بباطل، ويذُمُّون بباطل، ويقولون: فعلنا، ولم يفعلوا. قوله تعالى: { إِلاَّ الذين آمنوا } قال ابن عباس: لمّا نزل ذمُّ الشعراء، جاء كعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، فقالوا: يا رسول الله، أنزل اللّهُ هذا وهو يعلم أنّا شعراء، فنزلت هذه الآية. قال المفسرون: وهذا الاستثناء لشعراء المسلمين الذين مدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وذمّوا من هجاه، { وذكروا الله كثيراً } أي: لم يَشْغَلهم الشِّعر عن ذِكْر الله ولم يجعلوا الشِّعر همَّهم. وقال ابن زيد: وذكروا الله في شِعرهم. وقيل: المراد بالذِّكْر: الشَِّعر في طاعة الله عز وجل.

قوله تعالى: { وانْتَصَروا } أي: من المشركين { مِنْ بَعْدِ ما ظُلِموا } لأن المشركين بدؤوا بالهجاء. ثم أوعد شعراء المشركين، فقال: { وسَيَعْلَمُ الذين ظَلَمُوا } أي: أَشركوا وهَجَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين { أيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُون } قال الزجاج: { أيَّ } منصوبة بقوله: { ينقلبون } لا بقوله: { سيعلم } ، لأن «أيّاً» وسائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها. ومعنى الكلام: إِنهم يَنْقلبون إِلى نار يخلَّدون فيها.

وقرأ ابن مسعود، ومجاهد عن ابن عباس، وأبو المتوكل، وأبو رجاء: { أيَّ مُتَقَلَّبٍ يَتَقَلَّبُون } بتاءين مفتوحتين وبقافين على كل واحدة منهما نقطتان وتشديد اللام فيهما. وقرأ أُبيُّ كعب، وابن عباس، وأبو العالية، وأبو مجلز، وأبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: { أيَّ مُنْفَلَتٍ يَنْفَلِتُون } بالفاء فيهما وبنونين ساكنين وبتاءين. وكان شريح يقول: سيعلم الظّالمون حظّ من نقصوا، إِنّ الظّالم يَنْتَظِر العِقاب، وإِنّ المظلوم ينتظر النصر.