الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً } * { يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً } * { إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله تعالى: { والذين لا يَدْعُون مع الله إِلهاً آخر } في سبب نزولها ثلاثة أقوال.

أحدها: ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود، " قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الذَّنْب أعظم؟ قال: «أن تَجْعَلَ لله نِدّاً وهو خَلَقَكَ»، قلتُ: ثم أيّ؟ قال: «أن تَقْتُلَ وَلَدَكَ مخافة أن يَطْعَمَ معك»، قلت: ثم أيّ؟ قال: «أن تُزانيَ حليلة جارك» " ، فأنزل الله تعالى تصديقها { والذين لا يَدْعُون مع الله إِلهاً آخر... } الآية.

والثاني: أن ناساً من أهل الشرك قَتلوا فأكثروا وزنَوا فأكثروا، ثم أتَوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إِن الذي تقولُ وتدعو إِليه لَحَسَنٌ، لو تُخبرنا أن لِمَا عَمِلنا كفارة، فنزلت هذه الآية، إِلى قوله: { غفوراً رحيماً } ، أخرجه مسلم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثالث: " أن وحشيّاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أتيتك مستجيراً فأجِرني حتَى أسمع كلام الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد كنت أُحِبُّ أن أراك على غير جوار، فأما إِذا أتيتَني مستجيراً فأنت في جواري حتى تَسمع كلام الله، قال: فإنِّي أشركت بالله وقتلتُ النَّفْس التي حرَّم الله وزنيتُ، فهل يقبل الله مني توبة؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية، فتلاها عليه، فقال: أرى شرطاً، فلعلِّي لا أعمل صالحاً، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله، فنزلت { إن الله لا يَغْفِرُ أن يُشْرَكَ به ويَغْفِرُ ما دون ذلك لمن شاء } [النساء: 48]، فدعاه فتلاها عليه، فقال: ولعلِّي ممن لا يشاء [الله]، أنا في جوارك حتى أسمع كلام الله، فنزلت { يا عباديَ الذين أَسْرَفوا على أنفُسهم لا تَقْنَطوا من رحمة الله... } الآية [الزُّمَر:53]، فقال: نعم، الآن لا أرى شرطاً، فأسلم " ، رواه عطاء عن ابن عباس؛ وهذا وحشيّ هو قاتل حمزة؛ وفي هذا الحديث المذكور عنه نظر، وهو بعيد الصحّة، والمحفوظ في إِسلامه غير هذا، وأنه قَدِم مع رسل الطائف فأسلم من غير اشتراط. وقوله { يَدْعُون } معناه: يَعْبُدون. وقد سبق بيان قتل النفس بالحق في [الأنعام: 151].

قوله تعالى: { يَلْقَ أثَاماً } وقرأ سعيد بن جبير، وأبو المتوكل: { يُلَقَّ } برفع الياء وفتح اللام وتشديد القاف مفتوحة. قال ابن عباس: يَلْقَ جزاءً. وقال مجاهد، وعكرمة: وهو وادٍ في جهنم. وقال ابن قتيبة: يَلْقَ عقوبة، وأنشد:
[جَزَى اللّهُ ابنَ عُرْوَةَ حيْثُ أمْسَى   عُقُوقاً] والعُقُوق لَهُ أثام
قال الزجاج: وقوله: { يَلْقَ أثاماً } جزماً على الجزاء. قال أبو عمرو الشيباني: يقال: قد لقيَ أثام ذلك، أي: جزاء ذلك، وسيبويه والخليل يذهبان إِلى أن معناه: يلقى جزاء الأثام، قال سيبويه: وإِنما جزم { يُضَاعَفْ له العذابُ } لأن مضاعفة العذاب لُقِيُّ الآثام، فلذلك جزمت، كما قال الشاعر:

السابقالتالي
2