الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } * { وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } * { وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } * { إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً } * { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }

قوله تعالى: { وعبادُ الرَّحمن الذين يَمْشُون } وقرأ عليّ، وأبو عبد الرحمن السلمي، وابن السميفع: { يُمَشَّون } برفع الياء وفتح الميم والشين وبالتشديد. وقال ابن قتيبة: إِنما نسبهم إِليه لاصطفائه إِياهم، كقوله:ناقةُ الله } [الأعراف: 73 ]، ومعنى { هَوْناً }: مشياً رويداً. ومنه يقال: أَحْبِبْ حبيبك هَوْناً ما. وقال مجاهد: يمشون بالوقار والسكينة. { وإِذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } أي: سَداداً. وقال الحسن: لا يجهلون على أحد، وإِن جهل عليهم حَلُموا. وقال مقاتل بن حيّان: { قالوا سلاماً } أي: قولاً يسْلَمون فيه من الإِثم. وهذه الآية محكمة عند الأكثرين. وزعم قوم: أن المراد بها أنهم يقولون للكفار: ليس بيننا وبينكم غير السلام، ثم نُسخت بآية السيف.

قوله تعالى: { والذين يَبيتون لربِّهم } قال الزجاج: كل من أدركه الليل فقد بات، نام أو لم ينم؛ يقال: بات فلان قلِقاً، إِنما المبيت إِدراك الليل.

قوله تعالى: { كان غراماً } فيه خمسة أقوال متقارب معانيها.

أحدها: دائماً، رواه أبو سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثاني: موجِعاً، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: مُلِحّاً، قاله ابن السائب؛ وقال ابن جريج: لا يفارق.

والرابع: هلاكاً، قاله أبو عبيدة.

والخامس: أن الغرام في اللغة: أشدُّ العذاب، قال الشاعر:
وَيَوْمَ النِّسار وَيَوْمَ الجِفا   رِكانَا عذاباً وكانَا غَرَاماً
قاله الزجاج.

قوله تعالى: { ساءت مُسْتَقَرّاً } أي: بئس موضع الاستقرار وموضع الإِقامة هي.

قوله تعالى: { والذين إِذا أنفقوا لم يُسْرِفوا ولم يقتروا } وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: { يَقْتِروا } مفتوحة الياء مكسورة التاء. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: { يَقْتُروا } بفتح الياء وضم التاء. وقرأ نافع، وابن عامر: { يُقْتِروا } بضم الياء وكسر التاء.

وفي معنى الكلام قولان.

أحدهما: أن الإِسراف: مجاوزة الحدِّ في النفقة، والإِقتار: التقصير عمّا لا بُدَّ منه، ويدل على هذا قولُ عمر بن الخطاب: كفى بالمرء سَرَفاً أن يأكل كلَّ ما اشتهى.

والثاني: [أنَّ] الإِسراف: الإِنفاق في معصية الله وإِن قَلَّ، والإِقتار: منع حق الله تعالى، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن جريج في آخرين.

قوله تعالى: { وكان } يعني الإِنفاق { بين ذلك } أي: بين الإِسراف والإِقتار { قَوَاماً } أي: عَدْلاً؛ قال ثعلب: القَوام، بفتح القاف: الاستقامة والعَدْل، وبكسرها: ما يدوم عليه الأمر ويستقرّ.