الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } * { فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } * { وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً } * { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } * { وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً }

قوله تعالى: { اذهبا إِلى القوم الذين كذَّبوا بآياتنا }.

إِن قيل: إِنما عاينوا الآيات بعد [وجود] الرسالة، فكيف يقع التكذيب منهم قبل وجود الآيات؟

فالجواب: أنهم كانوا مكذِّبين أنبياءَ الله وكُتُبَه المتقدِّمة، ومن كذَّب نبيّاً فقد كذَّب سائر الأنبياء، ولهذا قال: { وقومَ نُوح لمَّا كذَّبوا الرُسُل } ، وقال الزجاج: يجوز ان يكون المرادَ به نوحٌ وحده، وقد ذُكر بلفظ الجنس، كما يقال فلان يركب الدوابّ، وإِن لم يركب إِلا دابّة واحدة؛ وقد شرحنا هذا في [هود: 59] عند قوله:وعَصَوا رُسُلَه } وقد سبق معنى التدمير [الاعراف: 137].

قوله تعالى: { وأصحابَ الرَّسِّ } في الرَّسِّ ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها بئر كانت تسمى الرَّسِّ، قاله ابن عباس في رواية العوفي. وقال في رواية عكرمة: هي بئر بأذربيجان. وزعم ابن السائب أنها بئر دون اليمامة. وقال السدي: بئر بأنطاكية.

والثاني: أن الرَّسَّ قرية من قرى اليمامة، قاله قتادة.

والثالث: أنها المَعْدِن، قاله أبو عبيدة، وابن قتيبة.

وفي تسميتها بالرَّسِّ قولان.

أحدهما: أنهم رَسُّوا نبيَّهم في البئر، قاله عكرمة. قال الزجاج: رَسُّوه، أي دَسُّوه فيها.

والثاني: أن كل رَكِيَّة لم تطو فهي رَسٌّ، قاله ابن قتيبة.

واختلفوا في أصحاب الرَّسِّ على خمسة أقوال.

أحدها: أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة، فبعث الله تعالى إِليهم نبيّاً من ولد يهوذا بن يعقوب، فحفروا له بئراً وألقَوه فيها، فهلكوا، قاله عليّ عليه السلام.

والثاني: أنهم قوم كان لهم نبيّ يقال له: حنظلة بن صفوان، فقتلوا نبيَّهم فأهلكهم الله، قاله سعيد بن جبير.

والثالث: أنهم كانوا أهل بئر ينزلون عليها، وكانت لهم مواشٍ، وكانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله إِليهم شُعيباً، فتمادَوا في طغيانهم، فانهارت البئر، فخُسف بهم وبمنازلهم، قاله وهب بن منبه.

والرابع: أنهم الذين قتلوا حبيباً النجار، قتلوه في بئر لهم، وهو الذي قال:يا قوم اتَّبِعُوا المرسَلين } [يس: 20]، قاله السدي.

والخامس: أنهم قوم قتلوا نبيَّهم وأكلوه، وأولُ من عمل السحر نساؤهم، قاله ابن السائب.

قوله تعالى: { وقُرُوناً } المعنى: وأهلكنا قروناً { بين ذلكَ كثيراً } أي: بين عاد وأصحاب الرَّسِّ، وقد سبق بيان القَرْن [الانعام: 6] وفي هذه القصص تهديد لقريش.

قوله تعالى: { وكُلاًّ ضَرَبْنَا له الأمثال } أي: أعذرنا إِليه بالموعظة وإِقامة الحجَّة { وكُلاًّ تَبَّرْنَا } قال الزجاج: التَّتبير: التدمير، وكل شىء كسرته وفتّتّه فقد تبَّرته، وكُسارته: التِّبر، ومن هذا قيل لمكسور الزجاج: التِّبر، وكذلك تِبر الذهب.