الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } * { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } * { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } * { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } * { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً }

ثم أخبر أنه لو شاء لأعطاه خيراً مما قالوا في الدنيا، وهو قوله: { خيراً من ذلك } يعني: لو شئتُ لأعطيتُك في الدنيا خيراً مما قالوا، لأنه قد شاء أن يعطيَه ذلك في الآخرة. { ويَجْعَلْ لكَ قُصوراً } قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم { ويجعلُ لكَ قصوراً } برفع اللام. وقرأ أبو عمرو، ونافع، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: { ويجعلْ } بجزم اللام. فمن قرأ بالجزم، كان المعنى: إِن يشأْ يجعلْ لك جنات ويجعلْ [لك] قصوراً. ومن رفع، فعلى الاستئناف [المعنى]: ويجعلُ لكَ قصوراً في الآخرة. وقد سبق معنى { أعتدنا } [النساء: 37] ومعنى { السعير } [النساء: 10].

قوله تعالى: { إِذ رأتْهم من مكان بعيد } قال السدي عن أشياخه: من مسيرة مائة عام.

فان قيل: السعير مذكَّر، فكيف قال: { إِذا رأتهم }؟

فالجواب: أنه أراد بالسعير النار.

قوله تعالى: { سَمِعوا لها تغيُّظاً } فيه قولان.

أحدهما: غَلَيان تَغَيُّظ، قاله الزجاج. قال المفسرون: والمعنى: أنها تتغيَّظ عليهم، فيسمعون صوت تغيُّظها وزفيرها كالغضبان إِذا غلا صدره من الغيظ.

والثاني: يسمعون فيها تغيُّظ المعذَّبين وزفيرهم، حكاه ابن قتيبة.

قوله تعالى: { وإِذا أُلْقُوا منها مكاناً ضيِّقاً مُقَرَّنِين دَعَواْ هنالك ثُبوراً } قال المفسرون: تضيِّق عليهم كما يضيِّق الزُّجُّ على الرُّمح، وهم قد قُرنوا مع الشياطين والثُّبور: الهَلَكة. وقرأ عاصم الجحدري وابن السميفع { ثَبوراً } بفتح الثاء.

قوله تعالى: { وادعوا ثُبوراً كثيراً } قال الزجاج: الثُّبور مصدر، فهو للقليل والكثير على لفظ الواحد، كما تقول: ضربته ضرباً كثيراً، والمعنى: هلاكهم أكثر من أن يدعوا مرة واحدة. وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أول من يُكْسى من أهل النار يوم القيامة إِبليس، يُكْسى حُلَّة من النَّار فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريَّتُه خلفه وهو يقول: واثبوراه، وهم ينادون: يا ثبورهم، حتى يقفوا على النار، فينادي: يا ثبوراه، وينادون: يا ثبورهم، فيقول الله عز وجل: { لا تدعوا اليوم ثُبوراً واحداً وادعوا ثُبوراً كثيراً } ".