الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِٱلأَبْصَارِ } * { يُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱللَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي ٱلأَبْصَارِ }

قوله تعالى: { ألم تَرَ أنَّ الله يُزْجِي سحاباً } أي: يسوقه { ثم يؤلِّف بينه } أي: يضم بعضه إِلى بعض، فيجعل القِطَع المتفرِّقة قطعة واحدة. والسحاب لفظه لفظ الواحد، ومعناه الجمع، فلهذا قال: { يؤلِّف بينه ثم يجعلُه رُكاماً } أي: يجعل بعض السحاب فوق بعض { فترى الوَدْقَ } وهو المطر. قال الليث: الوَدْقُ: المطر كُلُّه شديدُه وهيِّنُه.

قوله تعالى: { مِن خِلاله } وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، والضحاك: { من خَلَلهِ }. والخِلال: جمع خَلَل، مثل: جبال وجبل. { وينزِّل من السماء } مفعول الإِنزال محذوف، تقديره: وينزِّل من السماء من جبال فيها من بَرَدٍ بَرَداً، فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه. و«مِنْ» الأولى، لابتداء الغاية، لأن ابتداء الإِنزال من السماء، والثانية، للتبعيض، لأن الذي ينزله الله بعض تلك الجبال، والثالثة، لتبيين الجنس، لأن جنس تلك [الجبال] جنس البَرَد؛ قال المفسرون: وهي جبال في السماء مخلوقة من بَرَد. وقال الزجاج: معنى الكلام: وينزِّل من السماء من جبال بَرَد فيها، كما تقول: هذا خاتم في يدي من حديد، المعنى: هذا خاتم حديد في يدي.

قوله تعالى: { فيُصيب به } أي: بالبَرَد { من يشاء } فيضرُّه في زرعه وثمره. والسنا: الضوء، { يَذْهَبُ } وقرأ مجاهد، وأبو جعفر: { يُذْهِبُ } بضم الياء وكسر الهاء. { يقلِّب اللّهُ الليل والنهار } أي: يأتي بهذا، ويذهب بهذا، { إِنَّ في ذلك } التقلُّب { لعبرةً لأولي الأبصار } أي: دلالة لأهل البصائر والعقول على وحدانية الله وقدرته.