قوله تعالى: { في بُيُوتٍ } قال الزجاج: «في» مِن صلةِ قوله: { كمشكاة } ، فالمعنى: كمشكاة في بيوت؛ ويجوز أن تكون متصلة بقوله: { يسبِّح له فيها } فتكون فيها تكريراً على التوكيد؛ والمعنى: يسبِّح لله رجال في بيوت. فان قيل: المشكاة إِنما تكون في بيت واحد، فكيف قال: { في بيوت }؟ فعنه جوابان. أحدهما: أنه من الخطاب المتلوِّن الذي يُفتح بالتوحيد ويُختم بالجمع، كقوله تعالى:{ يا أيها النبيُّ إِذا طلَّقتم النساء } [الطلاق:1]. والثاني: أنه راجع إِلى كل واحد من البيوت، فالمعنى: في كل بيت مشكاة. وللمفسرين في المراد بالبيوت هاهنا ثلاثة أقوال. أحدها: أنها المساجد، قاله ابن عباس، والجمهور. والثاني: بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد. والثالث: بيت المقدس، قاله الحسن. فأما { أَذِنَ } فمعناه: أَمَر. وفي معنى { أن تُرْفَع } قولان. أحدهما: أن تعظَّم، قاله الحسن، والضحاك. والثاني: أن تُبْنَى، قاله مجاهد، وقتادة. وفي قوله: { ويُذْكَرَ فيها اسمُه } قولان. أحدهما: توحيده، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: يُتلى فيها كتابُه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. قوله تعالى: { يُسَبّح } قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: { يُسَبِّح } بكسر الباء؛ وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بفتحها. وقرأ معاذ القارىء، وأبو حيوة: { تُسَبِّحُ } بتاء مرفوعة وكسر الباء ورفع الحاء. وفي قوله: { يُسَبِّح له فيها } قولان. أحدهما: أنه الصلاة. ثم في صلاة الغُدُوِّ قولان. احدهما: أنها صلاة الفجر، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: صلاة الضحى، روى ابن أبي مُلَيكة عن ابن عباس قال: إِن صلاة الضحى لفي كتاب الله، وما يغوص عليها إِلاغوّاص، ثم قرأ: { يُسَبِّح له فيها بالغدوّ والآصال }. وفي صلاة الآصال قولان. أحدهما: أنها صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قاله ابن السائب. والثاني: صلاة العصر، قاله أبو سليمان الدمشقي. والقول الثاني: أنه التسبيح المعروف، ذكره بعض المفسرين. قوله تعالى: { رجال لا تُلْهِيهم } أي: لا تَشْغَلُهم { تجارة ولا بيع } قال ابن السائب: التُّجَّار: الجلاّبون، والباعة: المقيمون. وقال الواقدي: التجارة هاهنا بمعنى الشراء. وفي المراد بذِكْر الله ثلاثة أقوال. أحدها: الصلاة المكتوبة، قاله ابن عباس، وعطاء. وروى سالم عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة، فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت { رجال لا تُلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكْر الله }. والثاني: عن القيام بحق الله، قاله قتادة. والثالث: عن ذِكْر الله باللسان، ذكره أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: { وإِقامِ الصلاة } أي: أداؤها لوقتها وإِتمامها. فان قيل: إِذا كان المراد بذِكْر الله الصلاة، فما معنى إِعادتها؟ فالجواب: أنه بيَّن أنهم يقيمونها بأدائها في وقتها.