الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } * { رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ ٱلزَّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأَبْصَارُ } * { لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَٱللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

قوله تعالى: { في بُيُوتٍ } قال الزجاج: «في» مِن صلةِ قوله: { كمشكاة } ، فالمعنى: كمشكاة في بيوت؛ ويجوز أن تكون متصلة بقوله: { يسبِّح له فيها } فتكون فيها تكريراً على التوكيد؛ والمعنى: يسبِّح لله رجال في بيوت.

فان قيل: المشكاة إِنما تكون في بيت واحد، فكيف قال: { في بيوت }؟ فعنه جوابان.

أحدهما: أنه من الخطاب المتلوِّن الذي يُفتح بالتوحيد ويُختم بالجمع، كقوله تعالى:يا أيها النبيُّ إِذا طلَّقتم النساء } [الطلاق:1].

والثاني: أنه راجع إِلى كل واحد من البيوت، فالمعنى: في كل بيت مشكاة. وللمفسرين في المراد بالبيوت هاهنا ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها المساجد، قاله ابن عباس، والجمهور.

والثاني: بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد.

والثالث: بيت المقدس، قاله الحسن.

فأما { أَذِنَ } فمعناه: أَمَر. وفي معنى { أن تُرْفَع } قولان.

أحدهما: أن تعظَّم، قاله الحسن، والضحاك.

والثاني: أن تُبْنَى، قاله مجاهد، وقتادة. وفي قوله: { ويُذْكَرَ فيها اسمُه } قولان.

أحدهما: توحيده، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: يُتلى فيها كتابُه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

قوله تعالى: { يُسَبّح } قرأ ابن كثير، وحفص عن عاصم، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: { يُسَبِّح } بكسر الباء؛ وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: بفتحها. وقرأ معاذ القارىء، وأبو حيوة: { تُسَبِّحُ } بتاء مرفوعة وكسر الباء ورفع الحاء.

وفي قوله: { يُسَبِّح له فيها } قولان.

أحدهما: أنه الصلاة. ثم في صلاة الغُدُوِّ قولان.

احدهما: أنها صلاة الفجر، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.

والثاني: صلاة الضحى، روى ابن أبي مُلَيكة عن ابن عباس قال: إِن صلاة الضحى لفي كتاب الله، وما يغوص عليها إِلاغوّاص، ثم قرأ: { يُسَبِّح له فيها بالغدوّ والآصال }. وفي صلاة الآصال قولان.

أحدهما: أنها صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قاله ابن السائب.

والثاني: صلاة العصر، قاله أبو سليمان الدمشقي.

والقول الثاني: أنه التسبيح المعروف، ذكره بعض المفسرين.

قوله تعالى: { رجال لا تُلْهِيهم } أي: لا تَشْغَلُهم { تجارة ولا بيع } قال ابن السائب: التُّجَّار: الجلاّبون، والباعة: المقيمون. وقال الواقدي: التجارة هاهنا بمعنى الشراء. وفي المراد بذِكْر الله ثلاثة أقوال.

أحدها: الصلاة المكتوبة، قاله ابن عباس، وعطاء. وروى سالم عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة، فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيهم نزلت { رجال لا تُلهيهم تجارة ولا بيع عن ذِكْر الله }.

والثاني: عن القيام بحق الله، قاله قتادة.

والثالث: عن ذِكْر الله باللسان، ذكره أبو سليمان الدمشقي.

قوله تعالى: { وإِقامِ الصلاة } أي: أداؤها لوقتها وإِتمامها.

فان قيل: إِذا كان المراد بذِكْر الله الصلاة، فما معنى إِعادتها؟

فالجواب: أنه بيَّن أنهم يقيمونها بأدائها في وقتها.

السابقالتالي
2