الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ }

قوله تعالى: { اللّهُ نُور السموات والأرض } فيه قولان.

أحدهما: هادي أهل السموات والأرض، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال أنس بن مالك، وبيان هذا أن النُّور في اللغة: الضياء، وهو الذي تصل به الأبصار إلى مُبْصَراتها، فورد النُّور مضافاً إِلى الله تعالى، لأنه هو الذي يَهْدي المؤمنين ويبيِّن لهم ما يهتدون به، والخلائق بنوره يهتدون.

والثاني: مدبِّر السموات والأرض، قاله مجاهد، والزجاج. وقرأ أُبيّ ابن كعب، وأبو المتوكل، وابن السميفع: { اللّهُ نَوَّرَ } بفتح النون والواو وتشديدها ونصب الراء { السمواتِ } بالخفض { والأرضَ } بالنصب.

قوله تعالى: { مَثَل نُوره } في هاء الكناية أربعة أقوال.

أحدها: أنها ترجع إلى الله عز وجل، قال ابن عباس: مَثَلُ هُدَاه في قلب المؤمن.

والثاني: أنها ترجع إِلى المؤمن، فتقديره: مَثَل نُور المؤمن، قاله أُبيّ ابن كعب. وكان أُبيّ وابن مسعود يقرآن: { مثل نُور مَنْ آمن به }.

والثالث: أنها ترجع إِلى محمد صلى الله عليه وسلم، قاله كعب.

والرابع: أنها ترجع إِلى القرآن، قاله سفيان.

فأما المشكاة، ففيها ثلاثة أقوال.

أحدها: أنها في موضع الفتيلة من القنديل الذي هو كالأنبوب، والمصباح: الضوء، قاله ابن عباس.

والثاني: أنها القنديل، والمصباح: الفتيلة، قاله مجاهد.

والثالث: أنها الكوّة التي لا منفذ لها، والمصباح: السراج، قاله كعب، وكذلك قال الفراء: المشكاة: الكوّة التي ليست بنافذة. وقال ابن قتيبة: المشكاة: الكوّة بلسان الحبشة. وقال الزجاج: هي من كلام العرب، والمصباح: السراج وإِنما ذكر الزُّجاجة، لأن النُّور في الزُّجاج أشد ضوءاً منه في غيره. وقرأ أبو رجاء العطاردي، وابن أبي عبلة: { في زَجاجة الزَّجاجة } بفتح الزاي فيهما. وقرأ معاذ القارىء، وعاصم الجحدري، وابن يعمر: بكسر الزاي فيهما، قال بعض أهل المعاني: معنى الآية: كمَثَل مصباح في مشكاة، فهو من المقلوب.

فأما الدُّرِّيّ، فقرأ أبو عمرو، والكسائي، وأبان عن عاصم { دِرِّيءٌ } بكسر الدال وتخفيف الياء ممدوداً مهموزاً. قال ابن قتيبة: المعنى على هذا: إِنه من الكواكب الدَّراريء، وهي اللاتي يَدْرأنْ عليك، أي: يطلُعن. وقال الزجاج: هو مأخوذ من درأ يدرأ: إِذا اندفع منقضّاً، فتضاعف نوره، يقال: تدارأ الرجلان: إِذا تدافعا. وروى المفضَّل عن عاصم كسر الدال وتشديد الياء من غير همز ولا مدٍّ، وهي قراءة عبد الله بن عمر، والزهري. وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: { دُرِّيٌّ } بضم الدال وكسر الراء وتشديد الياء من غير مدٍّ ولا همز، وقرأ عثمان بن عفان، وابن عباس، وعاصم، الجحدري: { دَرِيءُ } بفتح الدال وكسر الراء ممدوداً مهموزاً، وقرأ أُبيّ ابن كعب، وسعيد بن المسيب، وقتادة: بفتح الدال وتشديد الراء والياء من غير مدٍّ ولا همز. وقرأ ابن مسعود، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، وابن يعمر: بفتح الدال وكسر الراء مهموزاً مقصوراً.

السابقالتالي
2 3