قوله تعالى: { وأَنْكِحُوا الأيامى } وهم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، يقال: رجل أيِّم وامرأة أيِّم، ورجل أرمل وامرأة أرملة، ورجل بِكر وامرأة بِكر: إِذا لم يتزوجا، وامرأة ثيِّب ورجل ثيِّب: إِذا كانا قد تزوجا، { والصالِحين من عبادكم } أي: من عبيدكم، يقال: عَبْد وعِبَاد وعَبِيد، كما يقال: كَلْب وكِلاَب وكَلِيب. وقرأ الحسن، ومعاذ القارىء: { من عَبيدكم }. قال المفسرون: والمراد بالآية الندب. ومعنى الصلاح هاهنا: الإِيمان. والمراد بالعباد: المملوكون، فالمعنى: زوِّجوا المؤمنين من عبيدكم وولائدكم. ثم رجع إِلى الأحرار فقال: { إِن يكونوا فقراء يُغْنِهِمُ الله من فضله } فأخبرهم أن النكاح سبب لنفي الفقر. قوله تعالى: { وليَسْتَعْفِف الذين لا يجدون نكاحاً } أي: وليْطلب العِفَّة عن الزنا والحرام مَن لايجد ماينكح به من صداق ونفقة. وقد روى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يامعشر الشباب عليكم بالباءة، فمن لم يجد فعليه بالصيام فانه له وجاء ". قوله تعالى: { والذين يبتغون الكتاب } أي: يطلبون المكاتبة من العبيد والإِماء على أنفسهم، { فكاتبوهم } فيه قولان. أحدهما: أنه مندوب إِليه، قاله الجمهور. والثاني: أنه واجب، قاله عطاء، وعمرو بن دينار. وذكر المفسرون: أنها نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزَّى يقال له: صبيح، سأل مولاه الكتابة فأبى عليه، فنزلت هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين ديناراً. قوله تعالى: { إِن علمتم فيهم خيراً } فيه ستة أقوال. أحدها: إِن علمتم لهم مالاً، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعطاء، والضحاك. والثاني: إِن علمتم لهم حيلة، يعني: الكسب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث: إِن علمتم فيهم ديناً، قاله الحسن. والرابع: إِن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير، قاله سعيد بن جبير. والخامس: إِن أقاموا الصلاة، قاله عبيدة السلماني. والسادس: إِن علمتم لهم صدقاً ووفاءً، قاله إِبراهيم. قوله تعالى: { وآتُوهم من مال الله الذي آتاكم } فيه قولان. أحدهما: أنه خطاب للأغنياء الذين تجب عليهم الزكاة، أُمروا ان يعطوا المكاتبين من سهم الرِّقاب، روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال: هو سهم الرقاب يُعطى منه المكاتَبون. والثاني: أنه خطاب للسادة، أُمروا أن يعطوا مكاتبيهم من كتابتهم شيئاً. قال أحمد والشافعي: الإِيتاء واجب، وقدَّره أحمد بربع مال الكتابة. وقال الشافعي: ليس بمقدَّر. وقال أبو حنيفة ومالك: لايجب الإِيتاء. وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه كاتب غلاماً له يقال له: أبو أُمية، فجاءه بنجمه حين حلَّ؛ فقال: اذهب يا أبا أُمية فاستعن به في مكاتَبتك، قال: ياأمير المؤمنين لو أخَّرْتَه حتى يكون في آخر النجوم، فقال: يا أبا أُمية: إِني أخاف أن لا أدرك ذلك، ثم قرأ: { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } ، قال عكرمة: وكان ذلك أول نجم أُدِّي في الإِسلام.