الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } * { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } في { من } قولان.

أحدهما: أنها صلة.

والثاني: أنها أصل، لأنهم لم يؤمروا بالغض مطلقاً، وإنما أمروا بالغض عما لا يحلُّ.

وفي قوله: { ويحفظوا فروجهم } قولان.

أحدهما: عما لا يحل لهم، قاله الجمهور.

والثاني: عن أن تُرى، فهو أمر لهم بالاستتار، قاله أبو العالية وابن زيد.

قوله تعالى: { ذلك } إشارة إلى الغض وحفظ الفروج { أزكى لهم } أي: خير وأفضل { إن الله خبير بما يصنعون } في الأبصار والفروج ثم امر النساء بما امر به الرجال.

قوله تعالى: { ولا يبدين زينتهن } أي: لا يظهرنها لغير مَحْرَم. وزينتهن على ضربين، خفية كالسوارين والقرطين والدملج والقلائد ونحو ذلك، وظاهرةٌ وهي المشار إليها بقوله { إلا ما ظهر منها } وفيه سبعة أقوال.

أحدهما: انها الثياب، رواه أبو الأحوص عن ابن مسعود، وفي لفظ آخر قال هو الرداء.

والثاني: أنها الكف والخاتم والوجه.

والثالث: الكحل والخاتم، رواهما سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والرابع: القُلْبان، وهما السواران والخاتم والكحل، قاله المسور بن مخرمة.

والخامس: الكحل والخاتم والخضاب، قاله مجاهد.

والسادس: الخاتم والسوار، قاله الحسن.

والسابع: الوجه والكفان، قاله الضحاك. قال القاضي أبو يعلى: والقول الاول أشبه، وقد نص عليه احمد، فقال: الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شيء منها عورة حتى الظفر، ويفيد هذا تحريم النظر إلى شيء من الأجنبيات لغير عذر، فان كان لعذر مثل ان يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها، فانه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة، فأما النظر إليها بغير عذر، فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن.

فان قيل: فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها.

فالجواب: أن في تغطيته مشقة، فعفي عنه.

قوله تعالى: { وليضربن بخمرهن } وهي جمع خِمار، وهو ما تغطى به المرأة رأسها، والمعنى: وليُلْقِين مَقانِعَهن { على جيوبهن } ليسترن بذلك شعورهن وقرطهن وأعناقهن. وقرأ ابن مسعود، وأبي بن كعب، وإبراهيم النخعي، والأعمش: { على جِيوبهن } بكسر الجيم، { ولا يبدين زينتهن } يعني: الخفية وقد سبق بيانها { إلا لبعولتهن } قال ابن عباس: لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن.

قوله تعالى: { أو نسائهن } يعني: المسلمات. قال أحمد: لا يحل للمسلمة ان تكشف راسها عند نساء أهل الذمة، واليهودية والنصرانية لا تقبِّلان المسلمة.

قوله تعالى: { أو ما ملكت أيمانهن } قال اصحابنا: المراد به: الإماء دون العبيد. وقال أصحاب الشافعي: يدخل فيه العبيد، فيجوز للمرأة عندهم أن تظهر لمملوكها ما تظهر لمحارمها، لأن مذهب الشافعي أنه مَحْرم لها، وعندنا انه ليس بمحرم، ولا يجوز أن ينظر إلى غير وجهها وكفيها، وقد نص أحمد على انه لايجوز أن ينظر إلى شعر مولاته.

السابقالتالي
2