الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }

قوله تعالى: { لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم } ذكر أهل التفسير أن سبب نزولها أن امرأة من الانصار جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني اكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، فلا يزال يدخل علي رجل من أهلي، فنزلت هذه الآية. فقال ابو بكر بعد نزولها: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن التي ليس فيها ساكن، فنزل قوله: { ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة } الآية. ومعنى قوله: { لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم } أي: بيوتاً ليست لكم. واختلف القراء في باء البيوت، فقرأ بعضهم بضمها وبعضهم بكسرها، وقد بينا ذلك في [البقرة:189].

قوله تعالى: { حتى تستأنسوا } قال الفراء: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: حتى تسلموا وتستأنسوا. قال الزجاج: { وتستأنسوا } في اللغة بمعنى: تستأذنوا وكذلك هو في التفسير، والاستئذان: الاستعلام، تقول: آذنته بكذا، أي: أعلمته، وآنست منه كذا، أي: علمت منه، ومثله:فان آنستم منهم رشداً } [النساء:6] أي: علمتم. فمعنى الآية: حتى تستعلموا، يريد أهلها ان تدخلوا ام لا. قال المفسرون: وصفة الاستعلام أن تقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ولا يجوز أن تدخل بيت غيرك إلا بالاستئذان لهذه الآية، { ذلكم خير لكم } من أن تدخلوا بغير إذن { لعلكم تذكرون } أن الاستئذان خير فتأخذون به، قال عطاء: قلت لابن عباس: أستأذن على أمي وأختي ونحن في بيت واحد؟ قال: أيسرُّكَ أن ترى منهن عورة، قلت: لا قال: فاستأذن.

قوله تعالى: { فان لم تجدوا فيها احداً } أي: إن وجدتموها خالية، { فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا } أي: إن ردوكم فلا تقفوا على أبوابهم وتلازموها، { هو أزكى لكم } يعني: الرجوع خير لكم وأفضل { والله بما تعملون } من الدخول باذن وغير إذن { عليم }.

فصل

وهل هذه الآية منسوخة أم لا؟ فيها قولان.

أحدهما: أن حكمها عام في جميع البيوت، ثم نسخت منها البيوت التي ليس لها أهل يستأذنون بقوله تعالى: { ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة } هذا مروي عن الحسن، وعكرمة.

والثاني: أن الآيتين محكمتان، فالاستئذان شرط في الأولى إذا كان للدار أهل، والثانية وردت في بيوت لا ساكن لها، والإذن لا يتصور من غير آذن، فاذا بطل الاستئذان لم تكن البيوت الخالية داخلة في الأولى، وهذا أصح.

قوله تعالى: { أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة } فيها خمسة اقوال.

أحدها: أنها الخانات والبيوت المبنية للسابلة ليأووا إليها، ويؤووا أمتعتهم، قاله قتادة.

والثاني: أنها البيوت الخربة، والمتاع: قضاء الحاجة فيها من الغائط والبول، قاله عطاء.

والثالث: أنها بيوت مكة، قاله محمد بن الحنفية.

والرابع: حوانيت التجار التي بالأسواق، قاله ابن زيد.

والخامس: أنها جميع البيوت التي لا ساكن لها، لأن الاستئذان إنما جعل لأجل الساكن، قاله ابن جريج.

فيخرّج في معنى { المتاع } ثلاثة أقوال.

أحدهما: الأمتعة التي تباع وتشترى.

والثاني: إلقاء الأذى من الغائط والبول.

والثالث: الانتفاع بالبيوت لاتقاء الحر والبرد.