الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } * { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } * { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } * { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { إِن الذين جاؤوا بالإفك } أجمع المفسرون أن هذه الآية وما يتعلق بها بعدها. نزلت في قصة عائشة، وفي حديث الإِفك أن هذه الآية إِلى عشر آيات نزلت في قصة عائشة. وقد ذكرنا حديث الإِفك في كتاب الحدائق وفي كتاب المغني في التفسير فلم نطل بذكره، لأن غرضنا اختصار هذا الكتاب، ليحفظ فأما الإِفك فهو الكذب والعصبة: الجماعة، ومعنى قوله: { مِنْكُم } أي: من المؤمنين. وروى عروة عن عائشة أنها قالت: هم أربعة حسان بن ثابت وعبد الله بن أبي بن سلول ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش، وكذلك عدهم مقاتل.

قوله تعالى: { لا تَحسَبُوه شَراً لَكُم } قال المفسرون: هذا خطاب لعائشة وصفوان بن المعطل، وقيل: لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعائشة. والمعنى: إٍنكم تؤجرون فيه. { لِكلِ امرىءٍ مِنهُم } يعني: من العصبة الكاذبة { مَا اكتَسَبَ مِنَ الإِثم } أي جزاء ما اجترح من الذنب على قدر خوضه فيه، { والذي تَوَلَى كِبْره منهم } وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وعكرمة، ومجاهد وابن أبي عبلة، والحسن، ومحبوب عن أبي عمرو، ويعقوب: { كُبْره } بضم الكاف. قال الكسائي: وهما لغتان. وقال ابن قتيبة: كِبْر الشيء: معظمه، ومنه هذه الآية. قال قيس بن الخطيم يذكر امرأة:
تنام عن كبر شأنها فإذا   قامت رويدا تكاد تنغرف
وفي المتولي لذلك قولان.

أحدهما: أنه عبد الله بن أبي، رواه أبو صالح عن ابن عباس وعروة عن عائشة، وبه قال مجاهد والسدي ومقاتل. قال المفسرون: هو الذي أشاع الحديث فله عذاب عظيم بالنار، وقال الضحاك: هو الذي بدأ بذلك.

والثاني: أنه حسان، روى الشعبي: أن عائشة قالت: ما سمعت أحسن من شعر حسان وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة، فقيل: يا أم المؤمنين، أليس الله يقول: { والذي تَولى كِبْره منهم له عَذاب ٌ عَظِيم } فقالت: أليس قد ذهب بصره؟ وروى عنها مسروق أنها قالت: وأي عذاب أشد من العمى، ولعل الله أن يجعل ذلك العذاب العظيم، ذهاب بصره، تعني: حسان بن ثابت.

ثم إن الله عز وجل أنكر على الخائضين في الإفك بقوله تعالى: { لولا إِذْ سَمِعتُمُوهُ } أي: هلا إذ سمعتم أيتها العصبة الكاذبة قذف عائشة { ظَنَ المُؤمِنُون } من العصبة الكاذبة وهم حسان ومسطح { والمُؤمِنَاتِ } وهي حمنة بنت جحش { بِأنُفسِهِم } وفيها ثلاثة أقوال.

أحدها: بأمهاتهم.

والثاني: بأخواتهم.

والثالث: بأهل دينهم، لان المؤمنين كنفس واحدة، { وقَالُوا هذا إِفكٌ مُبِين } أي: كذب بيِّن. وجاء في التفسير أن أبا أيوب الأنصاري قالت له أمه: ألا تسمع ما يقول الناس في أمر عائشة فقال: هذا إفك مبين، أكنت يا أماه فاعلته قالت: معاذ الله قال: فعائشة والله خير منك فنزلت هذه الآية.

السابقالتالي
2