الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } * { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } * { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } * { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ }

قوله تعالى: { ولدينا كتاب } يعني: اللوح المحفوظ { يَنْطِقُ بالحقِّ } قد أُثبت فيه أعمال الخلق، فهو ينطق بما يعملون { وهم لا يُظْلَمون } أي: لا يُنْقَصون من ثواب أعمالهم. ثم عاد إِلى الكفار، فقال: { بل قلوبهم في غمرة من هذا } قال مقاتل: في غفلة عن الإِيمان بالقرآن. وقال ابن جرير: في عمىً عن هذا القرآن. قال الزجاج: يجوز أن يكون إِشارة إِلى ما وصف من أعمال البِرِّ في قوله: { أولئك يسارعون في الخيرات } ، فيكون المعنى: بل قلوب هؤلاء في عماية من هذا؛ ويجوز أن يكون إِشارة إِلى الكتاب، فيكون المعنى: بل قلوبهم في غمرة من الكتاب الذي ينطق بالحقّ وأعماُلهم مُحْصَاةٌ فيه.

فخرج في المشار إِليه بـ { هذا } ثلاثة أقوال.

أحدها: القرآن.

والثاني: أعمال البِرِّ.

والثالث: اللوح المحفوظ.

قوله تعالى: { ولهم أعمالٌ مِنْ دون ذلك } فيه أربعة أقوال.

أحدها: أعمال سيِّئة دون الشِّرك، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثاني: خطايا من دون ذلك الحق، قاله مجاهد. وقال ابن جرير: من دون أعمال المؤمنين وأهل التقوى والخشية.

والثالث: أعمالٌ غير الأعمال التي ذُكِروا بها سيعملونها، قاله الزجاج.

والرابع: أعمال - من قبل الحين الذي قدَّر الله تعالى أنه يعذِّبهم عند مجيئه - من المعاصي، قاله أبو سليمان الدمشقي.

قوله تعالى: { هم لها عاملون } إِخبار بما سيعملونه من أعمالهم الخبيثة التي كُتبت عليهم لا بدَّ لهم من عملها.

قوله تعالى: { حتى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفيهم } أي: أغنياءهم ورؤساءهم، والإِشارة إِلى قريش. وفي المراد «بالعذاب» قولان.

أحدهما: ضرب السيوف يوم بدر، قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك.

والثاني: الجوع الذي عُذِّبوا به سبع سنين، قاله ابن السائب. و { يَجأرون } بمعنى: يصيحون. { لا تَجأروا اليوم } أي: لا تستغيثوا من العذاب { إِنَّكم مِنَّا لا تُنْصَرون } أي: لا تُمْنَعون من عذابنا. { قد كانت آياتي تُتْلَى عليكم } يعني: القرآن { فكنتم على أعقابكم تَنْكِصُونَ } أي: ترجعون وتتأخَّرون عن الإِيمان بها. { مستكبِرين } منصوب على الحال. وقوله: { به } الكناية عن البيت الحرام، وهي كناية عن غير مذكور؛ والمعنى: إِنكم تستكبرون وتفتخرون بالبيت والحرم، لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في مواطنهم. تقولون: نحن أهل الحرم فلا نخاف أحداً. ونحن أهل بيت الله وَوُلاتُه، هذا مذهب ابن عباس وغيره. قال الزجاج: ويجوز أن تكون الهاء في «به» للكتاب، فيكون المعنى: تُحدث لكم تلاوتُه عليكم استكباراً.

قوله تعالى: { سامراً } قال أبو عبيدة: معناه: تَهْجُرون سُمَّاراً، والسامر بمعنى السُّمَّار، بمنزلة طفل في موضع أطفال، وهو من سَمَر الليل. وقال ابن قتيبة: «سامراً» أي: متحدِّثين ليلاً، والسَّمَر: حديث الليل. وقرأ أُبيّ بن كعب، وأبو العالية، وابن محيصن: «سُمَّراً» بضم السين وتشديد الميم وفتحها، جمع سامر.

السابقالتالي
2