الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } * { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } * { قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } * { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } * { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ ٱلْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوۤاْ أَنَّهُمْ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ }

قوله تعالى: { ألم تكن } المعنى: ويقال لهم: ألم تكن { آياتي تُتْلى عليكم } يعني: القرآن. { قالوا ربَّنا غلبت علينا شِقوتُنا } قرأ ابن كثير، وعاصم، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: «شِقوتُنا» بكسر الشين من غير ألف، وقرأ عمرو بن العاص، وأبو رزين العقيلي، وأبو رجاء العطاردي كذلك، إِلا أنه بفتح الشين. و قرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، والأعمش، وحمزة، والكسائي: «شَقَاوتُنا» بألف مع فتح الشين والقاف؛ وعن الحسن، وقتادة كذلك، إِلا أن الشين مكسورة. قال المفسرون: أقرَّ القوم بأنَّ ما كُتب عليهم من الشقاء منعهم الهدى.

قوله تعالى: { ربَّنا أخرجنا منها } أي: من النار. قال ابن عباس: طلبوا الرجوع إِلى الدنيا { فإن عُدنا } أي: إِلى الكفر والمعاصي.

قوله تعالى: { اخْسَؤوا } قال الزجاج: تباعدوا تباعد سخط، يقال: خَسَأْتُ الكلب أَخْسَؤه: إِذا زجرتَه ليتباعد.

قوله تعالى: { ولا تكلِّمون } أي: في رفع العذاب عنكم. قال عبد الله بن عمرو: إِن أهل جهنم يدعون مالكاً أربعين عاماً، فلا يجيبهم، ثم يقول:إِنكم ماكثون } [الزخرف: 77]، ثم ينادون ربَّهم { ربَّنا أخرجنا منها } فيَدَعهم مثل عُمُر الدنيا، ثم يقول: { إِنكم ماكثون } ثم ينادون ربَّهم { ربَّنا أخرجنا منها } فيَدَعهم مثل عمر الدنيا، ثم يردُّ عليهم { اخسؤوا فيها ولا تكلِّمون } فما ينبس القومُ بعد ذلك بكلمة إِن كان، إِلا الزفير والشهيق. ثم بيَّن الذي لأجله أخسأهم بقوله: { إِنَّه } وقرأ ابن مسعود. وأبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: «أنَّه» بفتح الهمزة { كان فريق من عبادي } قال ابن عباس: يريد المهاجرين. قوله تعالى: { فاتَّخَذْتُموهم } قال الزجاج: الأجود إِدغام الذال في التاء لقرب المخرجين، وإِن شئتَ أظهرتَ، لأن الذال من كلمة والتاء من كلمة، وبين الذال والتاء في المخرج شيء من التباعد.

قوله تعالى: { سخريّاً } قرأ نافع، وحمزة، والكسائي، وأبو حاتم عن يعقوب: «سُخريّاً» بضم السين هاهنا وفي [ص: 63]، تابعهم المفضل في [ص: 32]. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر: بكسر السين في السورتين. ولم يختلف في ضم السين في الحرف الذي في [الزخرف: 32]. واختار الفراء الضم، والزجاج الكسر. وهل هما بمعنىً؟ فيه قولان.

أحدهما: أنهما لغتان ومعناهما واحد، قاله الخليل، وسيبويه، ومثله قول العرب، بحر لُجِّيٌّ ولِجِيٌّ، وكوكبٌ دُرِيٌّ ودِرِّيٌّ.

والثاني: أن الكسر بمعنى الهمز، والضم بمعنى: السُّخرة والاستعباد، قاله أبو عبيدة، وحكاه الفراء، وهو مروي عن الحسن، وقتادة.

قال أبو علي: قراءة من كسر أرجح من قراءة من ضمّ، لأنه من الهزء، والأكثر في الهزء كسر السين. قال مقاتل: كان رؤوس كفار قريش كأبي جهل وعقبة [والوليد] قد اتخذوا فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كعمَّار وبلال وخبَّاب وصهيب سِخْرِيّاً يستهزئون بهم ويضحكون منهم. قوله تعالى: { حتى أَنْسَوكم ذِكْري } أي: أنساكم الاشتغال بالاستهزاء بهم ذِكْري، فنسب الفعل إِلى المؤمنين وإِن لم يفعلوه، لأنهم كانوا السبب في وجوده، كقوله:إِنهنَّ أَضْلَلْنَ كثيراً من النّاس } [إبراهيم: 36].

قوله تعالى: { إِنِّي جَزَيْتُهُمُ اليومَ بما صبروا } أي: على أذاكم واستهزائكم { أنَّهم } قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: «أنَّهم»، بفتح الألف. وقرأ حمزة، والكسائي: «إِنَّهم» بكسرها. فمن فتح «أنَّهم»، فالمعنى: جزيتُهم بصبرهم الفوزَ، ومن كسر «إِنهم»، استأنف.