الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } * { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }

قوله تعالى: { يا أيها الناس ضُرب مَثَل } قال الأخفش: إِن قيل: أين المَثَل؟

فالجواب: أنه ليس هاهنا مثَل، وإِنما المعنى: يا أيها الناس ضُرب لي مَثَل، أي: شبّهت بي الأوثان { فاستمعوا } لهذا المثل. وتأويل الآية: جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها معي فاستمِعوا حالها؛ ثم بيَّن ذلك بقوله: { إِن الذين تدْعُون } أي: تعبدون { من دون الله } ، وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وابن أبي عبلة: «يدعون» بالياء المفتوحة. وقرأ ابن السميفع، وأبو رجاء، وعاصم الجحدري: «يُدْعون» بضم الياء وفتح العين، يعني: الأصنام، { لن يَخْلُقوا ذُباباً } والذباب واحد، والجمع القليل: أذِبَّة، والكثير: الذّبّان، مثل: غُراب وأَغْرِبة وغِرْبان؛ وقيل: إِنما خص الذُّباب لمهانته واستقذاره وكثرته. { ولو اجتمعوا } يعني: الأصنام { له } أي: لخَلْقِه، { وإِن يَسلبهم } يعني: الأصنام؛ قال ابن عباس: كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فيجفّ، فيأتي الذباب فيختلسه. وقال ابن جريج: كانوا إِذا طيَّبوا أصنامهم عجنوا طيبهم بشيء من الحلواء، كالعسل ونحوه، فيقع عليها الذباب فيسلبها إِياه، فلا تستطيع الآلهة ولا مَنْ عبَدها أن يمنعه ذلك. وقال السدي: كانوا يجعلون للآلهة طعاماً، فيقع الذباب عليه فيأكل منه. قال ثعلب: وإِنما قال: { لا يستنقذوه منه } فجعل أفعال الآلهة كأفعال الآدميين، إِذ كانوا يعظِّمونها ويذبحون لها وتُخاطَب، كقوله:يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم } [النمل: 18] لمَّا خاطبهم جعلهم كالآدميين، ومثله:رأيتهم لي ساجدين } [يوسف: 4]، وقد بيَّنَّا هذا المعنى في [الأعراف: 191] عند قوله تعالى: { وهم يُخْلَقون }.

قوله تعالى: { ضَعُفَ الطالب والمطلوب } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن الطالب: الصنم، والمطلوب: الذباب. رواه عطاء عن ابن عباس.

والثاني: الطالب: الذباب يطلب ما يسلبُه من الطيِّب الذي على الصنم، والمطلوب: الصنم يطلب الذباب منه سَلْبَ ما عليه، روي عن ابن عباس أيضاً.

والثالث: الطالب: عابد الصنم يطلب التقرُّب بعبادته، والمطلوب: الصنم، هذا معنى قول الضحاك، والسدي.

قوله تعالى: { ما قَدَرُوا الله حق قدره } أي: ما عظّموه حق عظمته، إِذ جعلوا هذه الأصنام شركاء له { إِن الله لقويّ } لا يُقْهَر { عزيز } لا يُرَام.