الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ }

قوله تعالى: { يا أيها الناس } يعني: أهل مكة { إِن كنتم في ريب من البعث } أي: في شك من القيامة { فإنا خلقناكم من تراب } يعني: خَلْقَ آدم { ثم من نطفة } يعني: خَلْقَ ولده، والمعنى: إِن شككتم في بعثكم فتدبَّروا أمر خلقكم وابتدائكم، فإنكم لا تجدون في القدرة فرقاً بين الابتداء والاعادة. فأما النطفة، فهي المني. والعلقة: دم عبيط جامد. وقيل سميت علقة لرطوبتها وتعلُّقها بما تمرُّ به، فإذا جفَّت فليست علقةً. والمضغة: لحمة صغيرة. قال ابن قتيبة: وسميت بذلك، لأنه بقدر ما يُمضغ، كما قيل: غرفة لقدر ما يُغرَف.

قوله تعالى: { مخلَّقةٍ وغيرِ مخلَّقةٍ } فيه خمسة أقوال.

أحدها: أن المخلَّقة: ما خُلق سويّاً، وغير المخلَّقة: ما ألقته الأرحام من النطف، وهو دم قبل أن يكون خَلْقاً، قاله ابن مسعود.

والثاني: أن المخلَّقة: ما أُكمل خَلْقه بنفخ الروح فيه، وهو الذي يولَد حيّاً لتمامٍ، وغير المخلَّقة: ما سقط غير حيٍّ لم يكمل خَلْقُه بنفح الروح فيه، هذا معنى قول ابن عباس.

والثالث: أن المخلَّقة: المصوَّرة، وغير المخلَّقة: غير مصوَّرة، قاله الحسن.

والرابع: أن المخلَّقة وغير المخلَّقة: السقط، تارة يسقط نطفة وعلقة، وتارة قد صُوِّر بعضه، وتارة قد صُوِّر كلُّه، قاله السدي.

والخامس: أن المخلَّقة: التامة، وغير المخلَّقة: السقط، قاله الفراء، وابن قتيبة.

قوله تعالى: { لنبيِّنَ لكم } فيه أربعة أقوال.

أحدها: خلقناكم لنبيِّن لكم ما تأتون وما تذَرون.

والثاني: لنبيِّن لكم في القرآن بُدُوَّ خَلْقِكم، وتنقُّلَ أحوالكم.

والثالث: لنبيِّن لكم كمال حكمتنا وقدرتنا في تقليب أحوال خلقكم.

والرابع: لنبيِّن لكم أن البعث حق.

وقرأ أبو عمران الجوني، وابن أبي عبلة: «ليبيِّن لكم» لكم بالياء.

قوله تعالى: { ونقرُّ في الأرحام } وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء: «ويُقَرُّ» بباء مرفوعة وفتح القاف ورفع الراء. وقرأ أبو الجوزاء، وأبو إِسحاق السَّبيعي: «ويُقِرَّ» بياء مرفوعة وبكسر القاف ونصب الراء. والذي يُقَرُّ في الأرحام، هو الذي لا يكون سقطاً، { إِلى أجلٍ مسمى } وهو أجل الولادة { ثم نخرجكم طفلاً } قال أبو عبيدة: هو في موضع «أطفال»، والعرب قد تضع لفظ الواحد في معنى الجميع، قال الله تعالى:والملائكةُ بعد ذلك ظهير } [التحريم: 4] أي: ظهراء، وأنشد:
فَقُلْنا أسلِموا إِنَّا أَخوكم   فقد بَرِئتْ من الإِحَنِ الصدورُ
وأنشد أيضاً:
في حَلْقكم عظمٌ وقد شَجينا   
وقال غيره: إِنما قال: «طفلاً» فوحَّد، لأن الميم في قوله تعالى: { نخرجكم } قد دلَّت على الجميع، فلم يحتج إِلى أن يقول: أطفالاً.

قوله تعالى: { ثم لتبلغوا } فيه إِضمار، تقديره: ثم نعمِّركم لتبلغوا أشدكم، وقد سبق معنى «الأشُد» [الأنعام: 153]، { ومنكم من يُتَوفَّى } من قبل بلوغ الأشُدِّ { ومنكم من يُردُّ إِلى أرذل العُمُر } وقد شرحناه في [النحل: 70].

السابقالتالي
2