الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } * { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } * { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }

قوله تعالى: { وإِذ بوَّأْنا لإِبراهيم } قال ابن عباس: جعلنا. وقال مقاتل: دللناه عليه. وقال ثعلب: وإِنما أدخل اللام، على أنَّ «بوَّأْنا» في معنى: جعلنا، فيكون بمعنى:ردف لكم } [النمل: 72] أي: ردفكم. وقد شرحنا كيفية بناء البيت في [البقرة: 129].

قوله تعالى: { أن لا تشرك بي شيئاً } المعنى: وأوحينا إِليه ذلك، { وطهر بيتيَ } حرَّك هذه الياء، نافع وحفص عن عاصم. وقد شرحنا الآية في [البقرة: 125].

وفي المراد بـ «القائمين» قولان.

أحدهما: القائمون في الصلاة، قاله عطاء، والجمهور.

والثاني: المقيمون بمكة، حكي عن قتادة.

قوله تعالى: { وأذِّن في الناس بالحج } قال المفسرون: لما فرغ إِبراهيم من بناء البيت، أمره الله تعالى أن يؤذِّن في الناس بالحج، فقال إِبراهيم: يا رب، وما يبلغ صوتي؟ قال أذِّن، وعليَّ البلاغ، فعلا على جبل أبي قبيس، وقال يا أيها الناس: إِن ربكم قد بنى بيتاً، فحجُّوه، فأسمع مَنْ في أصلاب الرجال وأرحام النساء ممن سبق في علم الله أن يحج، فأجابوه: لبيك اللهم لبيك. والأذان بمعنى النداء والإِعلام، والمأمور بهذا الأذان، إِبراهيم في قول الجمهور، إِلا ماروي عن الحسن أنه قال: المأمور به محمد صلى الله عليه وسلم. والناس هاهنا: اسم يعم جميع بني آدم عند الجمهور، إِلا ما روى العوفي عن ابن عباس أنه قال: عنى بالناس أهل القبلة.

واعلم أن من أتى البيت الذي دعا إِليه إِبراهيم، فكأنه قد أتى إِبراهيم، لأنه أجاب نداءه. وواحد الرجال هاهنا: راجل، مثل صاحب، وصحاب، والمعنى: يأتوك مشاةً. وقد روي أن إِبراهيم وإِسماعيل حجّا ماشيين، وحج الحسن بن علي خمساً وعشرين حجة ماشياً من المدينة إِلى مكة، والنجائب تُقَاد معه. وحج الإِمام أحمد ماشياً مرتين أو ثلاثاً.

قوله تعالى: { وعلى كل ضامرٍ } أي: ركباناً على ضُمَّر من طول السفر. قال الفراء: و«يأتين» فعل للنوق. وقال الزجاج: «يأتين» على معنى الإِبل. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: «يأتون» بالواو.

قوله تعالى: { من كل فج عميق } أي: طريق بعيد. وقد ذكرنا تفسير الفجِّ عند قوله تعالى:وجعلنا فيها فجاجاً } [الانبياء: 31].

قوله تعالى: { ليشهدوا } أي: ليحضروا { منافع لهم } وفيها ثلاثة أقوال.

أحدها: التجارة، قاله ابن عباس، والسدي.

والثاني: منافع الآخرة، قاله سعيد بن المسيب، والزجاج في آخرين.

والثالث: منافع الدارين جميعاً، قاله مجاهد. وهو أصح، لأنه لا يكون القصد للتجارة خاصة، وإِنما الأصل قصدُ الحج، والتجارة تَبَع.

وفي الأيام المعلومات ستة أقوال.

أحدها: أنها أيام العشر، رواه مجاهد عن ابن عمر، وسعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعطاء، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والشافعي.

والثاني: تسعة أيام من العشر، قاله أبو موسى الأشعري.

السابقالتالي
2