الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }

قوله تعالى: { ويصدُّون عن سبيل الله } أي: يمنعون الناس من الدخول في الإِسلام. قال الزجاج: ولفظ «يصدون» لفظ مستقبل عطف به على لفظ الماضي، لأن معنى «الذين كفروا»: الذين هم كافرون، فكأنه قال: إِن الكافرين والصَّادِّين؛ فأما خبر «إِنَّ» فمحذوف، فيكون المعنى: إِن الذين هذه صفتهم هلكوا.

وفي «المسجد الحرام» قولان.

أحدهما: جميع الحرم. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: كانوا يرون الحرم كلَّه مسجداً.

والثاني: نفس المسجد، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: { الذي جعلناه للناس } هذا وقف التمام.

وفي معناه قولان.

أحدهما: جعلناه للنَّاس كلِّهم، لم نخصَّ به بعضهم دون بعض، هذا على أنه جميع الحرم.

والثاني: جعلناه قبلةً لصلاتهم، ومنسكاً لحجِّهم، وهذا على أنه نفس المسجد. وقرأ ابراهيم النخعي، وابن أبي عبلة، وحفص عن عاصم: «سواءً» بالنصب، فيتوجه الوقف على «سواء»، وقد وقف بعض القراء كذلك. قال أبو علي الفارسي: أبدل العاكف والبادي من الناس من حيث كانا كالشامل لهم، فصار المعنى: الذي جعلناه للعاكف والبادي سواء. فأما العاكف: فهو المقيم، والبادي: الذي يأتيه من غير أهله، وهذا من قولهم: بدا القوم: إِذا خرجوا من الحضر إِلى الصحراء. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: «البادي» بالياء، غير أن ابن كثير وقف بياء، وأبو عمرو بغير ياء. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، والمسيّبي عن نافع بغير ياء في الحالتين.

ثم في معنى الكلام قولان.

أحدهما: أن العاكف والبادي يستويان في سكنى مكة والنزول بها، فليس أحدهما أحقَّ بالمنزل من الآخر، غير أنه لا يُخرَج أحدٌ من بيته، هذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة؛ وإِلى نحو هذا ذهب أبو حنيفة، وأحمد؛ ومذهب هؤلاء أن كراء دور مكة وبيعها حرام، هذا على أن المسجد: الحرم كلّه.

والثاني: أنهما يستويان في تفضيله وحرمته وإِقامة المناسك به، هذا قول الحسن، ومجاهد. و[منهم] من أجاز بيع دور مكة، وإِليه يذهب الشافعي. وعلى هذا يجوز أن يراد بالمسجد الحرم، ويجوز أن يراد نفس المسجد.

قوله تعالى: { ومن يرد فيه بالحاد } الإِلحاد في اللغة: العدول عن القصد، والباء زائدة، كقوله تعالى:تنبت بالدهن } [المؤمنون: 20]، وأنشدوا:
بِوَادٍ يَمَانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ   وأسْفَلُهُ بالمَرْخِ والشَّبَهانِ
المعنى: وأسفله ينبت المرخ؛ وقال آخر:
هُنَّ الحرائر لا ربَّاتُ أَخْمِرَةٍ   سودُ المحاجرِ لا يَقْرأْنَ بالسُّوَرِ
وقال آخر:
نحن بَنو جَعْدة أربابُ الفَلَج   نَضرِب بالسَّيف ونرجو بالفَرَج
هذا قول جمهور اللغويين. قال ابن قتيبة: والباء قد تزاد في الكلام، كهذه الآية، وكقوله تعالى:اقرأ باسم ربك } [العلق: 1]وهزِّي إِليك بجذع النخلة } [مريم: 24]بأيِّكم المفتون } [القلم: 6]تُلْقُون إِليهم بالمودَّة } [الممتحنة: 1]عيناً يشرب بها } [الانسان: 6] أي: يشربها؛ وقد تزاد «من»، كقوله تعالى:

السابقالتالي
2