الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } * { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } * { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } * { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }

قوله تعالى: { هذان خصمان } اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.

أحدها: أنها نزلت في النفر الذين تبارزوا للقتال يوم بدر، حمزة، وعلي، وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنَي ربيعة، والوليد ابن عتبة، هذا قول أبي ذر.

والثاني: أنها نزلت في أهل الكتاب، قالوا للمؤمنين: نحن أولى بالله، وأقدم منكم كتاباً، ونبيُّنا قبل نبيكم، وقال المؤمنون: نحن أحق بالله، آمنا بمحمد، وآمنا بنبيِّكم وبما أنزل الله من كتاب، وأنتم تعرفون نبيَّنا، ثم كفرتم به حسداً، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس، وقتادة.

والثالث: أنها في جميع المؤمنين، والكفار، وإِلى هذا المعنى ذهب الحسن، وعطاء، ومجاهد.

والرابع: أنها نزلت في اختصام الجنة والنار، فقالت النار: خلقني الله لعقوبته، وقالت الجنة: خلقني الله لرحمته، قاله عكرمة.

فأما قوله تعالى: { هذان } وقرأ ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وابن كثير: «هاذانّ» بتشديد النون «خصمان»، فمعناه: جمعان، وليسا برجلين، ولهذا قال تعالى: { اختصموا } ولم يقل: اختصما؛ على أنه قرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: «اختصما».

وفي خصومتهم ثلاثة أقوال.

أحدها: في دين ربِّهم، وهذا على القولين الأوليين.

والثاني: في البعث، قاله مجاهد.

والثالث: أنه خصام مفاخرة، على قول عكرمة.

قوله تعالى: { قطِّعت لهم ثياب } أي: سُوِّيت وجُعلت لباساً. قال ابن عباس: قُمُص من نار. وقال سعيد بن جبير: المراد بالنار هاهنا: النحاس. فأما «الحميم» فهو الماء الحارُّ { يُصهر به } قال الفراء: يذاب به، يقال: صهرت الشحم بالنار. قال المفسرون: يذاب بالماء الحارِّ { ما في بطونهم } من شحم أو مِعىً حتى يخرج من أدبارهم، وتنضج الجلود فتتسقاط من حرِّه، { ولهم مقامع } قال الضحاك: هي المطارق. وقال الحسن: إِن النار ترميهم بلهبها، حتى إِذا كانوا في أعلاها، ضُرِبوا بمقامع فَهَوَوْا فيها سبعين خريفاً، فإذا انتهوا إِلى أسفلها، ضربهم زفير لهبها، فلا يستقرُّون ساعة. قال مقاتل: إِذا جاشت جهنم، ألقتهم في أعلاها، فيريدون الخروج، فتتلقَّاهم خزنة جهنم بالمقامع، فيضربونهم، فيهوي أحدهم من تلك الضربة إِلى قعرها. وقال غيره: إِذا دفعتهم النار، ظنوا أنها ستقذفهم خارجاً منها، فتعيدهم الزبانية بمقامع الحديد.