الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } * { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } * { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ }

فصل في نزولها

روى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكية كلُّها، غير آيتين نزلتا بالمدينة: قوله تعالى:ومن الناس من يعبد الله على حرف } والتي تليها [الحج: 13،12]. وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنها مدنية إِلا أربع آيات نزلت بمكة، وهي قوله تعالى:وما أرسلنا من قبلك من رسول... } إِلى آخر الأربع [الحج: 53 - 57]. وقال عطاء بن يسار: نزلت بمكة إِلا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة:هذان خصمان } واللتان بعدها [الحج: 20 - 22]. وقال أبو سليمان الدمشقي: أولها مدني إِلى قوله تعالى:وبشر المحسنين } [الحج:38] وسائرها مكي. وقال الثعلبي: هي مكية غير ست آيات نزلت بالمدينة، وهي قوله تعالى:هذان خصمان } [الحج:20] إِلى قوله تعالى:الحميد } [الحج:25]. وقال هبة الله بن سلامة: هي من أعاجيب سور القرآن، لأن فيها مكياً، ومدنياً، وحضرياً، وسفرياً، وحربياً، وسلمياً، وليلياً، ونهارياً، وناسخاً، ومنسوخاً.

فأما المكي، فمن رأس الثلاثين منها إِلى آخرها.

وأما المدني، فمن رأس خمس وعشرين إِلى رأس ثلاثين.

وأما الليليُّ، فمن أولها إِلى آخر خمس آيات.

وأما النهاريُّ، فمن رأس خمس [آيات] إِلى رأس تسع.

وأما السفري، فمن رأس تسع إِلى اثنتي عشرة.

وأما الحضري، فإلى رأس العشرين [منها]، نسب إِلى المدينة، لقرب مدَّته.

قوله تعالى: { اتقوا ربكم } أي: احذروا عقابه { إِنَّ زلزلة الساعة } الزلزلة: الحركة على الحالة الهائلة.

وفي وقت هذه الزلزلة قولان.

أحدهما: أنها يوم القيامة بعد النشور. " روى عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: «إِن زلزلة الساعة شيء عظيم» وقال: تدرون أي يوم ذلك؟ فإنه يوم ينادي الرَّبُّ عز وجل آدم عليه السلام: ابعث بعثاً إِلى النار " ، فذكر الحديث. وروى أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول الله تعالى يوم القيامة لآدم: قم، فابعث بعث النار، فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إِلى النار، فحينئذ يشيب المولود، وتضع كل ذات حمل حملها " ، وقرأ الآية. وقال ابن عباس: زَلْزَلَةُ الساعة: قِيَامُها، يعني أنها تُقارِب قيام الساعة، وتكون معها. وقال الحسن، والسدي: هذه الزلزلة تكون يوم القيامة.

والثاني: أنها تكون في الدنيا قبل القيامة، وهي من أشراط الساعة، قاله علقمة، والشعبي، وابن جريج. وروى أبو العالية عن أُبَيِّ بن كعب، قال ست آيات قبل القيامة، بينما الناس في أسواقهم إِذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك إِذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك إِذ وقعت الجبال على وجه الأرض، فتحركت، واضطربت، ففزع الجن إِلى الإِنس، والإِنس إِلى الجن، واختلطت الدواب، والطير، والوحش، فماج بعضهم في بعض، فقالت الجن للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إِلى البحور، فإذا هي نار تَأجَّج، فبينما هم كذلك إِذ تصدَّعت الأرض إِلى الأرض السابعة، والسماء إِلى السماء السابعة، فينما هم كذلك إِذ جاءتهم الريح فماتوا.

السابقالتالي
2