الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ } * { ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ }

قوله تعالى: { ومن الناس من يجادل } قد سبق بيانه. وهذا مما نزل في النضر أيضاً. والهدى: البيان والبرهان.

قوله تعالى: { ثانيَ عِطفه } العِطف: الجانب. وعِطفا الرجل: جانباه عن يمين وشمال، وهو الموضع الذي يعطفه الإِنسان ويلويه عند إِعراضه عن المشي. قال الزجاج: «ثانيَ» منصوب على الحال، ومعناه: التنوين، معناه: ثانياً عِطفه. وجاء في التفسير: أن معناه: لاوياً عنقه، وهذا يوصف به المتكبِّر، والمعنى: ومن الناس من يجادل بغير علم متكبِّراً.

قوله تعالى: { ليُضلَّ } أي: ليصير أمره إِلى الضلال، فكأنَّه وإِن لم يقدَّر أنه يضل، فإن أمره يصير إِلى ذلك، { له في الدنيا خزي } وهو ما أصابه يوم بدر، وذلك أنه قُتل. وما بعد هذا قد سبق تفسيره [يونس: 70] إِلى قوله تعالى: { ومن الناس من يعبد الله على حرف } وفي سبب نزول هذه الآية قولان.

أحدهما: أن ناساً من العرب كان يأتون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: نحن على دينك، فإن أصابوا معيشةً، ونُتِجَتْ خَيْلُهم، وَوَلَدَتْ نساؤُهم الغلمانَ اطمأنُّوا وقالوا: هذا دينُ حقٍّ، وإِنْ لم يَجْرِ الأمر على ذلك قالوا: هذا دين سوءٍ، فينقلبون عن دينهم، فنزلت هذه الآية، هذا معنى قول ابن عباس، وبه قال الأكثرون.

والثاني: " أن رجلاً من اليهود أسلم فذهب بصره وماله وولده، فتشاءم بالإِسلام، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني، فقال: «إِن الإِسلام لا يقال». فقال: إِني لم أُصِب في ديني هذا خيراً، أذهب بصري ومالي وولدي، فقال: «يا يهودي: إِن الإِسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والفضة والذهب» " ، فنزلت هذه الآية، رواه عطية عن أبي سعيد الخدري.