الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } * { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } * { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } * { مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ } * { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } * { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

وهي مكية باجماعهم من غير خلاف نعلمه.

قوله عز وجل: { اقترب } افتعل، من القُرْب، يقال: قَرُبَ الشيء واقترب. وهذه الآية نزلت في كفار مكة. وقال الزجاج: اقترب للناس وقت حسابهم. وقيل: اللام في قوله: { للناس } بمعنى: «مِنْ». والمراد بالحساب: محاسبة الله لهم على أعمالهم.

وفي معنى قُرْبِهِ قولان.

أحدهما: أنه آتٍ، وكلُّ آتٍ قريبٌ.

والثاني: لأن الزمان ـ لِكثرة ما مضى وقِلَّة ما بقي ـ قريبٌ.

قوله تعالى: { وهُمْ في غفلة } أي: عمَّا يفعل الله بهم ذلك اليوم { معرضون } عن التأهُّب له. وقيل: «اقترب للناس» عامٌّ، والغفلة والإِعراض خاص في الكفار، بدلالة قوله تعالى: { ما يأتيهم من ذِكْرٍ من ربهم مُحْدَثٍ } ، وفي هذا الذِّكْر ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه القرآن، قاله ابن عباس؛ فعلى هذا تكون الإِشارة بقوله: «مُحْدَثٍ» إِلى إِنزاله له، لأنه أُنْزِل شيئاً بعد شيء.

والثاني: أنه ذِكْر من الأذكار، وليس بالقرآن، حكاه أبو سليمان الدمشقي. وقال النقاش: هو ذِكْر من رسول الله، وليس بالقرآن.

والثالث: أنه رسول الله، بدليل قوله في سياق الآية: { هل هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكم } ، قاله الحسن ابن الفضل.

قوله تعالى: { إِلا استَمَعُوه وهم يلعبون } قال ابن عباس: يستمعون القرآن مستهزئين.

قوله تعالى: { لاهيةً قلوبُهم } أي: غافلةً عما يُراد بهم. قال الزجاج: المعنى: إِلا استمعوه لاعبين لاهيةً قلوبهم؛ ويجوز أن يكون منصوباً بقوله: «يلعبون». وقرأ عكرمة، وسعيد بن جبير، وابن أبي عبلة: «لاهيةٌ» بالرفع.

قوله تعالى: { وأسرُّوا النَّجوى } أي: تناجَوا فيما بينهم، يعني المشركين. ثم بيَّن مَنْ هم فقال: { الذين ظَلَمُوا } أي: أَشْرَكوا بالله. و«الذين» في موضع رفع على البدل من الضمير في «وأَسَرُّوا». ثم بيَّن سِرَّهم الذي تناجَوْا به فقال: { هل هذا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكم } أي: آدميٌّ، فليس بملك؛ وهذا إِنكار لنبوَّته. وبعضهم يقول: «أسرُّوا» هاهنا بمعنى: أظهروا، لأنه من الأضداد.

قوله تعالى: { أفتأتون السِّحر } أي: أفتقبلون السِّحر { وأنتم تعلمون } أنه سِحْر؟! يعنون أن متابعة محمد صلى الله عليه وسلم متابعةُ السِّحر. { قُل ربِّي } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: «قل ربي». وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: «قال ربِّي»، وكذلك هي في مصاحف الكوفيين، وهذا على الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يعلم القول، أي: لا يخفى عليه شيء يقال في السماء والأرض، فهو عالم بما أسررتم. { بل قالوا } قال الفراء: رَدَّ بـ «بل» على معنى تكذيبهم، وإِن لم يظهر قبله الكلام بجحودهم، لأن معناه الإِخبار عن الجاحدين، وأعلمَ أن المشركين كانوا قد تحيَّروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلفت أقوالهم فيه، فبعضهم يقول: هذا الذي يأتي به سِحْر، وبعضهم يقول: أضغاث أحلام، وهي الأشياء المختلطة تُرى في المنام؛ وقد شرحناها في [يوسف: 44]، وبعضهم يقول: افتراه، أي: اختلقه، وبعضهم يقول: هو شاعر فليأتنا بآية كالناقة والعصا، فاقترحوا الآيات التي لا إِمهال بعدها.

السابقالتالي
2