الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }

قوله تعالى: { خُلِقَ الإِنسانُ من عَجَلٍ } وقرأ أبو رزين العُقيلي، ومجاهد، والضحاك: «خَلَقَ الإنسانَ» بفتح الخاء واللام ونصب النون. وهذه الآية نزلت حين استعجلت قريش بالعذاب.

وفي المراد بالإِنسان هاهنا ثلاثة أقوال.

أحدها: النضر بن الحارث، وهو الذي قال:اللهم إِن كان هذا هو الحقَّ من عندك... } الآية [الانفال: 32]، رواه عطاء عن ابن عباس.

والثاني: آدم عليه السلام، قاله سعيد بن جبير، والسدي في آخرين.

والثالث: أنه اسم جنس، قاله علي بن أحمد النيسابوري؛ فعلى هذا يدخل النضر ابن الحارث وغيره في هذا وإِن كانت الآية نزلت فيه.

فأمَّا من قال: أُرِيدَ به آدم، ففي معنى الكلام قولان.

أحدهما: أنه خُلق عجولاً، قاله الأكثرون. فعلى هذا يقول: لما طُبع آدم على هذا المعنى، وُجد في أولاده، وأورثهم العَجَل.

والثاني: خُلق بعَجَل، استَعجل بخَلْقه قبل غروب الشمس من يوم الجمعة، وهو آخر الأيام الستة، قاله مجاهد.

فأما من قال: هو اسم جنس، ففي معنى الكلام قولان.

أحدهما: خُلِقَ عَجُولاً؛ قال الزجاج: خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر منه اللعب: إِنما خُلقتَ من لَعِب، يريدون المبالغة في وصفه بذلك.

والثاني: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، والمعنى: خُلقتِ العجلة في الإِنسان، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى: { سأُريكم آياتي } فيه قولان.

أحدهما: ما أصاب الأمم المتقدِّمة؛ والمعنى: إِنكم تسافرون فترون آثار الهلاك في الماضين، قاله ابن السائب.

والثاني: أنها القتل ببدر، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { فلا تستعجلون } أثبت الياء في الحالين يعقوب.

قوله تعالى: { ويقولون متى هذا الوعد } يعنون: القيامة. { لو يعلم الذين كفروا } جوابه محذوف، والمعنى: لو علموا صدق الوعد ما استعجلوا، { حين لا يكفُّون } أي: لا يدفعون { عن وجوههم النار } إِذا دخلوا { ولا عن ظهورهم } لإِحاطتها بهم { ولا هم يُنصَرون } أي: يُمنَعون مما نزل بهم، { بل تأتيهم } يعني: الساعة { بغتةً } فجأَةً { فَتَبْهَتُهم } تحيِّرهم؛ وقد شرحنا هذا عند قوله:فبُهت الذي كفر } [البقرة: 258]، { فلا يستطيعون ردَّها } أي: صرفها عنهم، ولا هم يُمْهَلون لتوبة أو معذرة. ثم عزّى نبيّه، فقال: { ولقد استهزىء برسل من قبلك } أي: كما فعل بك قومك { فحاق } أي نزل { بالذين سَخِروا منهم } أي: من الرسل { ما كانوا به يستهزؤون } يعني: العذاب الذي كانوا استهزؤوا به.