الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

قوله تعالى: { أولم ير الذين كفروا } أي: أولم يعلموا. وقرأ ابن كثير: «ألم ير الذين كفروا» بغير واو بين الألف واللام، وكذلك هي في مصاحف أهل مكة، { أنَّ السموات والأرض كانتا رَتْقاً ففتقناهما } قال أبو عبيدة: السموات جمع، والأرض واحدة، فخرجت صفة لفظ الجمع على لفظ صفة الواحد والعرب تفعل هذا إِذا أشركوا بين جمع وبين واحد؛ والرَّتْق مصدر يوصف به الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث سواء، ومعنى الرَّتْق: الذي ليس فيه ثقب. قال الزجاج: المعنى: كانتا ذواتَي رَتْق، فجعلهما ذوات فتق، وإِنما لم يقل: «رَتْقَيْنِ» لأن الرَّتق مصدر.

وللمفسرين في المراد به ثلاثة أقوال.

أحدها: أن السموات كانت رَتْقاً لا تُمْطِر، وكانت الأرض رَتْقاً لا تُنْبِت، ففتق هذه بالمطر، وهذه بالنبات. رواه عبد الله بن دينار عن ابن عباس، وبه قال عطاء، وعكرمة، ومجاهد في رواية، والضحاك في آخرين.

والثاني: أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين، ففتقهما الله تعالى، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وسعيد بن جبير، وقتادة.

والثالث: أنَّه فَتق من الأرض ست أرضين فصارت سبعاً، ومن السماء ست سموات فصارت سبعاً، رواه السدي عن أشياخه، وابن أبي نجيح عن مجاهد.

قوله تعالى: { وجَعَلْنَا من الماء كلَّ شيء حيٍّ } وقرأ معاذ القارىء، وابن أبي عبلة، وحميد بن قيس: «كلَّ شيء حيّاً» بالنصب.

وفي هذا الماء قولان.

أحدهما: أنه الماء المعروف، والمعنى: جعلنا الماء سبباً لحياة كل حيٍّ، قاله الأكثرون.

والثاني: أنه النُّطفة، قاله أبو العالية.

قوله تعالى: { وجعلنا في الأرض رواسي } قد فسرناه في [النحل 15].

قوله تعالى: { وجعلنا فيها } أي: في الرواسي { فِجَاجاً } ، قال أبو عبيدة: هي المسالك. قال الزجاج: الفِجَاج جمع فَجّ، وهو كل منخَرق بين جبلين، ومعنى { سُبُلاً } طرقاً. قال ابن عباس: جعلنا من الجبال طُرُقاً كي تهتدوا إِلى مقاصدكم في الأسفار. قال المفسرون: وقوله: «سبلاً» تفسير للفِجَاج، وبيان أن تلك الفِجَاج نافذة مسلوكة، فقد يكون الفَجُّ غير نافذ. { وجعلنا السماء سقفاً } أي: هي للأرض كالسقف.

وفي معنى { محفوظاً } قولان.

أحدهما: بالنجوم من الشياطين، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: محفوظاً من الوقوع إِلا باذن الله، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { وهُمْ } يعني: كفار مكة { عن آياتها } أي: شمسها وقمرها ونجومها، قال الفراء: وقرأ مجاهد: «عن آيتها» فوحَّده، فجعل السماء بما فيها آية؛ وكلٌّ صوابٌ.

قوله تعالى: { كلٌّ } يعني: الطوالع { في فَلَك } قال ابن قتيبة: الفَلَك: مدار النجوم الذي يضمُّها، وسمَّاه فَلَكاً، لاستدارته. ومنه قيل: فَلْكَة المِغْزَل، وقد فَلكَ ثَدْيُ المرأة. قال أبو سليمان: وقيل: إِن الفَلَك ـ كهيئة الساقية من ماء ـ مستديرة دون السماء وتحت الأرض، فالأرض وسطها، والشمس والقمر والنجوم والليل والنهار يجرون في الفَلَك، وليس الفَلَك يُديرها. ومعنى «يَسْبَحون»: يَجْرُون. قال الفراء: لمَّا كانت السِّباحة من أفعال الآدميين، ذُكِرَتْ بالنون، كقوله:رأيتُهم لي ساجدين } [يوسف: 4]، لأن السجود من أفعال الآدميين.