الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } * { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } * { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } * { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } * { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { إِن الذين سبقت لهم مِنّا الحسنى } سبب نزولها أنه " لما نزلت «إِنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم» شَقَّ ذلك على قريش، وقالوا: شتم آلهتنا، فجاء ابن الزّبعرى، فقال: ما لكم؟ قالوا: شتم آلهتنا، قال: وما قال؟ فأخبروه، فقال: ادعوه لي، فلما دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا محمد، هذا شيء لآلهتنا خاصة، أو لكل من عُبد من دون الله؟ قال: «لا، بل لكل من عُبد من دون الله»، فقال ابن الزِّبعرى: خُصمْتَ وربِّ هذه البنية، ألستَ تزعم أن الملائكة عباد صالحون، وأن عيسى عبد صالح، وأن عزيراً عبد صالح، فهذه بنو مليح يعبدون الملائكة، وهذه النصارى تعبد عيسى، وهذه اليهود تعبد عزيراً، فضج أهل مكة " ، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس. وقال الحسين بن الفضل: إِنما أراد بقوله: { وما تعبدون } الأصنام دون غيرها. لأنه لو أراد الملائكة والناس، لقال: «ومَنْ»، وقيل: «إِنَّ» بمعنى: «إِلاَّ»، فتقديره: إِلا الذين سبقت لهم مِنّا الحسنى، وهي قراءة ابن مسعود، وأبي نهيك، فإنهما قرءا: «إِلا الذين». وروي عن عليّ بن أبي طالب أنه قرأ هذه الآية، فقال: أنا منهم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن.

وفي المراد بالحسنى قولان.

أحدهما: الجنة، قاله ابن عباس، وعكرمة.

والثاني: السعادة، قاله ابن زيد.

قوله تعالى: { أولئك عنها } أي: عن جهنم، وقد تقدم ذكرها { مُبْعَدُون } والبعد: طول المسافة، والحسيس: الصوت تسمعه من الشيء إِذا مَرَّ قريباً منك. قال ابن عباس: لا يسمع أهل الجنة حسيس أهل النار إِذا نزلوا منازلهم من الجنة.

قوله تعالى: { لا يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر } وقرأ أبو رزين، وقتادة، وابن أبي عبلة، وابن محيصن، وأبو جعفر الشيزري عن الكسائي: «لا يُحْزِنُهُم» بضم الياء وكسر الزاي.

وفي الفزع الأكبر أربعة أقوال.

أحدها: أنه النفخة الآخرة، رواه العوفي عن ابن عباس؛ وبهذه النفخة يقوم الناس من قبورهم، ويدل على صحة هذا الوجه قوله تعالى: { وتتلقاهم الملائكة }.

والثاني: أنه إِطباق النار على أهلها، رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وبه قال الضحاك.

والثالث: أنه ذبح الموت بين الجنة والنار، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال ابن جريج.

والرابع: أنه حين يؤمر بالعبد إِلى النار، قاله الحسن البصري.

وفي مكان تلقّي الملائكة لهم قولان.

أحدهما: إِذا قاموا من قبورهم، قاله مقاتل.

والثاني: على أبواب الجنة، قاله ابن السائب.

قوله تعالى: { هذا يومُكم } فيه إِضمار: «يقولون» هذا يومكم { الذي كنتم توعدون } فيه الجنة.

قوله تعالى: { يوم نَطْوي السماءَ } وقرأ أبو العالية، وابن أبي عبلة، وأبو جعفر: «تُطْوى» بتاء مضمومة «السماءُ» بالرفع؛ وذلك بمحو رسومها، وتكدير نجومها، وتكوير شمسها، { كطيِّ السِّجِلِّ للكتاب } قرأ الجمهور: «السِّجِلِّ» بكسر السين والجيم وتشديد اللام.

السابقالتالي
2 3