قوله تعالى: { قال قد أُوتِيتَ سؤلك } قال ابن قتيبة: أي: طَلِبَتَكَ، وهو «فُعْل» من «سَأَلْت»، أي: أُعطيتَ ما سألتَ. قوله تعالى: { ولقد مَنَنّا عليكَ } أي: أنعمنا عليكَ { مَرَّة أخرى } قبل هذه المَرَّة. ثم بيَّن متى كانت بقوله: { إِذ أَوحينا إِلى أُمِّك ما يوحى } أي: ألهمناها ما يُلهم مما كان سبباً لنجاتك، ثم فسر ذلك بقوله: { أن اقذفيه في التابوت } وقذف الشيء: الرمي به. فإن قيل: ما فائدة قوله: «ما يوحى» وقد علم ذلك؟ فقد ذكر عنه ابن الأنباري جوابين. أحدهما: أن المعنى: أوحينا إِليها الشيء الذي يجوز أن يوحى إِليها، إِذ ليس كل الأمور يصلح وحيه إِليها، لأنها ليست بنبيّ، وذلك أنها أُلهمت. والثاني: أن «ما يوحى» أفاد توكيداً، كقوله:{ فغشّاها ما غشّى } [النجم: 54]. قوله تعالى: { فَلْيُلقِه اليمُّ } قال ابن الأنباري: ظاهر هذا الأمرُ، ومعناه معنى الخبر، تأويله: يلقيه [اليمُّ]، ويجوز أن يكون البحر مأموراً بآلة ركَّبها الله تعالى فيه، فسمع وعقل، كما فعل ذلك بالحجارة والأشجار. فأما الساحل، فهو: شط البحر. { يأخذْه عدوٌّ لي وعدوٌّ له } يعني: فرعون. قال المفسرون: اتخذت أُمُّه تابوتاً وجعلت فيه قطناً محلوجاً، ووضعت فيه موسى وأَحكمت بالقار شقوق التابوت، ثم ألقته في النيل، وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون، فبينا هو جالس على رأس البركة مع امرأته آسية، إِذا بالتابوت، فأمر الغلمان والجواري بأخذه، فلما فتحوه رأَوا صبياً من أصبح الناس وجهاً؛ فلما رآه فرعون أحبَّه حُبّاً شديداً، فذلك قوله: { وألقيتُ عليكَ محبَّة مِنِّي } ، [قال أبو عبيدة: ومعنى «ألقيتُ عليكَ» أي: جعلتُ لكَ مَحَبَّة مِنّي]. قال ابن عباس: أَحَبَّه وحبَّبَه إِلى خَلْقه، فلا يلقاه أحد إِلا أحبَّه من مؤمن وكافر. وقال قتادة: كانت في عينيه مَلاحة، فما رآه أحد إِلا حبَّه. قوله تعالى: { ولِتُصْنَع على عيني } وقرأ أبو جعفر: «ولْتُصنعْ» بسكون اللام والعين والإِدغام. قال قتادة: لتُغذى على محبتي وإِرادتي. قال أبو عبيدة: على ما أُريد وأُحِبّ. قال ابن الأنباري: هو من قول العرب: غُذي فلان على عيني، أي: على المَحَبَّة مِنّي. وقال غيره: لتُرَبَّى وتغذى بمرأىً مني، يقال: صنع الرَّجل جاريته: إِذا ربَّاها؛ وصنع فرسه: إِذا داوم على علفه ومراعاته، والمعنى: ولِتُصْنَعَ على عيني، قدَّرنا مشي أختك وقولها: { هل أَدُلُّكم على من يَكْفُلُه } لأن هذا كان من أسباب تربيته على ما أراد الله عز وجل. فأما أُخته، فقال مقاتل: اسمها مريم. قال الفراء: وإِنما اقتصر على ذِكْر المشي، ولم يذكر أنها مشت حتى دخلت على آل فرعون فدلَّتهم على الظِّئر، لأن العرب تجتزىء بحذف كثير من الكلام، وبقليله، إِذا كان المعنى معروفاً، ومثله قوله: