الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ } * { فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ } * { إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ } * { وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ } * { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } * { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } * { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } * { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } * { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } * { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } * { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } * { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ }

قوله تعالى: { ولقد عَهِدْنا إِلى آدم } أي: أمرناه وأوصيناه أن لا يأكل من الشجرة { مِنْ قَبْلُ } أي: مِنْ قبل هؤلاء الذين نقضوا عهدي وتركوا الإِيمان بي، وهم الذين ذكرهم في قوله: { لعلَّهم يَتَّقون } ، والمعنى: أنهم إِن نقضوا العهد، فإن آدم قد عَهِدنا إِليه { فَنَسِيَ }.

وفي هذا النسيان قولان.

أحدهما: أنه التَّرك، قاله ابن عباس، ومجاهد، والمعنى: ترك ما أُمِر به.

والثاني: أنه من النسيان الذي يخالف الذِّكْر، حكاه الماوردي.

وقرأ معاذ القارىء، وعاصم الجحدري، وابن السميفع: «فَنُسّيَ» برفع النون وتشديد السين.

قوله تعالى: { ولم نَجِدْ له عَزْماً } العَزْمُ في اللغة: توطينُ النفس على الفعل. وفي المعنى أربعة أقوال.

أحدها: لم نجد له حفظاً، رواه العوفي عن ابن عباس، والمعنى: لم يحفظ ما أُمِر به.

والثاني: صبراً، قاله قتادة، ومقاتل، والمعنى: لم يصبر عمَّا نُهي عنه.

والثالث: حزماً، قاله ابن السائب. قال ابن الأنباري: وهذا لا يُخرج آدم من أُولي العزم. وإِنما لم يكن له عزم في الأكل فحسب.

والرابع: عزماً في العَوْد إِلى الذَّنْب، ذكره الماوردي. وما بعد هذا قد تقدم تفسيره [البقرة:34] إِلى قوله تعالى: { فلا يخرجنَّكما من الجَنَّة فتشقى } قال المفسرون: المراد به نَصَب الدُّنيا وتعبها من تكلُّف الحرث والزرع والعجن والخَبزْ وغير ذلك. قال سعيد بن جبير: أُهبط إِلى آدم ثور أحمر، فكان يعتمل عليه ويمسح العرق عن جبينه، فذلك شقاؤه. قال العلماء: والمعنى: فتشقَيا؛ وإِنما لم يقل: فتشقيا، لوجهين.

أحدهما: أن آدم هو المخاطَب، فاكتفى به، ومثله:عن اليمين وعن الشمال قعيد } [ق:17]، قاله الفراء.

والثاني: أنه لما كان آدم هو الكاسب، كان التعب في حَقِّه أكثر، ذكره الماوردي.

قوله تعالى: { إِن لكَ ألاَّ تجوع فيها ولا تَعْرى } قرأ أُبيّ بن كعب: «لا تُجاع ولا تُعرى» بالتاء المضمومة والألف. { وأنَّكَ لا تظمأُ } قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: «وأَنَّكَ» مفتوحة الألف. وقرأ نافع، وأبو بكر عن عاصم: «وإِنَّكَ» بكسر الألف. قال أبو علي: من فتح، حمله على أن لك أن لا تجوع، وأن لك أن لا تظمأ، ومن كسر، استأنف.

قوله تعالى: { لا تَظْمَأُ فيها } أي: لا تعطش. يقال: ظمىء الرجل ظَمأً، فهو ظمآن، أي: عطشان. ومعنى { لا تَضْحَى } لا تبرز للشمس فيصيبك حَرُّها، لأنه ليس في الجنة شمس.

قوله تعالى: { هل أَدُلُّكَ على شجرة الخُلْد } أي: على شجرةٍ مَنْ أكل منها لم يَمُتْ { ومُلْكٍ لا يَبْلَى } جديده ولا يفنى. وما بعد هذا مفسر في [الأعراف: 22].

وفي قوله تعالى: { فغوى } قولان.

أحدهما: ضلَّ طريق الخلود حيث أراده من قِبَل المعصية.

والثاني: فسد عليه عيشه، لأن معنى الغيّ: الفساد.

السابقالتالي
2 3