الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وإِذ قالَ ربُّكَ للملائِكَةِ }.

كان أبو عبيدة يقول: «إذ» ملغاة، وتقدير الكلام: وقال ربك، وتابعه ابن قتيبة، وعاب ذلك عليهما الزجاج وابن القاسم. وقال الزجاج: إذ: معناها: الوقت، فكأنه قال: ابتداء خلقكم إذ قال ربك للملائكة.

والملائكة: من الألوك، وهي الرسالة، قال لبيد:
وغلام أرسلتْه أمه   بألوك فبذلنا ما سأل
وواحد الملائكة: ملك، والأصل فيه: ملأك. وأنشد سيبويه:
فلست لإِنسي ولكن لملأكٍ   تنزل من جوِّ السماء يصوب
قال أبو إِسحاق: ومعنى ملأك: صاحب رسالة، يقال: مألَكة ومألُكة وملأكة، ومآلك: جمع مألكة. قال الشاعر:
أبلغ النعمان عني مألكاً   أنه قد طال حبسي وانتظاري
وفي هؤلاء الملائكة قولان. أحدهما: أنهم جميع الملائكة، قاله السدي عن أشياخه. والثاني: أنهم الذين كانوا مع إبليس حين أُهبط إلى الأرض، ذكره أبو صالح عن ابن عباس.

ونقل أنه كان في الأرض قبل آدم خلق، فأفسدوا، فبعث الله إبليس في جماعة من الملائكة فأهلكوهم.

واختلفوا ما المقصود في إخبار الله عز وجل الملائكة بخلق آدم على ستة أقوال.

أحدها: أن الله تعالى علم في نفس إبليس كبراً، فأحب أن يطلع الملائكة عليه، وأن يظهر ما سبق عليه في علمه، رواه الضحاك عن ابن عباس، والسدي عن أشياخه.

والثاني: أنه أراد أن يبلو طاعة الملائكة، قاله الحسن.

والثالث: أنه لما خلق النار خافت الملائكة، فقالوا: ربنا لمن خلقت هذه؟ قال: لمن عصاني، فخافوا وجود المعصية منهم، وهم لا يعلمون بوجود خلق سواهم، فقال لهم:إني جاعل في الأرض خليفة } [البقرة:30] قاله ابن زيد.

والرابع: أنه أراد إظهار عجزهم عن الإحاطة بعلمه، فأخبرهم حتى قالوا: أتجعل فيها من يفسد فيها؟ فأجابهم: إني أعلم ما لا تعلمون.

والخامس: أنه أراد تعظيم آدم بذكره بالخلافة قبل وجوده، ليكونوا معظمين له إن أوجده.

والسادس: أنه أراد إعلامهم بأنه خلقه ليسكنه الأرض، وإن كان ابتداء خلقه في السماء.

والخليفة: هو القائم مقام غيره، يقال: هذا خلف فلان وخليفته. قال ابن الأنباري: والأصل في الخليفة خليف، بغير هاء، فدخلت الهاء للمبالغة في مدحه بهذا الوصف، كما قالوا: علاَّمة ونسّابة وراوية. وفي معنى خلافة آدم قولان.

أحدهما: أنه خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه، ودلائل توحيده، والحكم في خلقه، وهذا قول ابن مسعود ومجاهد.

والثاني: أنه خلف من سلف في الأرض قبله، وهذا قول ابن عباس والحسن.

قوله تعالى: { أَتجعلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها }

فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن ظاهر الألف الاستفهام، دخل على معنى العلم ليقع به تحقيق. قال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا   وأندى العالمين بطون راح
معناه: أنتم خير من ركب المطايا.

السابقالتالي
2