الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله تعالى: { آمن الرسول بما أنزل إِليه من ربه }. روى البخاري ومُسلم في «صحيحيهما» من حديث أبي مسعود البدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال " الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه " قال أبو بكر النقاش: معناه: كفتاه عن قيام الليل.

وقيل: إنهما نزلتا على سبب، وهو ما روى العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: لما أنزل الله تعالى: { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبْكم به الله } اشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جثوا على الركب] فقالوا: قد أُنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها، فقال: " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير " فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم، أنزل الله في أثرها { آمن الرسول }. قال الزجاج: لما ذكر ما تشتمل عليه هذه السورة من القصص والأحكام، ختمها بتصديق نبيه، والمؤمنين. وقرأ ابن عباس { وكتابه } فقيل له في ذلك، فقال: كتاب أكثر من كُتُب، ذهب به إلى اسم الجنس، كما تقول: كثر الدرهم في أيدي الناس. وقد وافق ابن عباس في قراءته حمزة، والكسائي، وخلف، وكذلك في { التحريم } ، وقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر { وكتبه } هاهنا بالجمع، وفي { التحريم } بالتوحيد. وقرأ أبو عمرو بالجمع في الموضعين.

قوله تعالى: { لا نفرق بين أحد من رسله } قرأ أبو عمرو ما أضيف إلى مكنى على حرفين، مثل «رسلنا» و «رسلكم» باسكان السين، وثقَّل ما عدا ذلك. وعنه في قوله تعالى: { على رسلك } روايتان، التخفيف والتثقيل. وقرأ الباقون كل ما في القرآن من هذا الجنس بالتثقيل. ومعنى قوله: { لا نفرق بين أحد من رسله } أي: لا نفعل كما فعل أهل الكتاب، آمنوا ببعض، وكفروا ببعض. وقرأ يعقوب «لا يفرق» بالياء، وفتح الراء.

قوله تعالى: { غفرانك } أي: نسألك غفرانك. والمصير: المرجع.